بيت لاهيا - عمر عوض
لم تنل من عزيمته سجون الاحتلال ولا جدران زنازينه الضيقة المتهالكة.. حتى خرج عزيزا شامخا مرفوع الرأس لا يخشى في الله لومة لائم.. هذا هو حال المحرر نبيل مديرس أبو عوكل من معسكر جباليا، والذي أمضى في سجون الاحتلال 12 عاما من حكم ظالم أصدرته ما تسمى بمحكمة الاحتلال لمدة 27 عاما، وخرج رغم أنف الاحتلال في صفقة "الوفاء للأحرار".
وأمام منزله الكائن في مشروع بيت لاهيا وقف المحرر أبو عوكل في خيمة عرس حريته مستقبلا جموع المهنئين بإطلاق سراحه، وبابتسامة عريضة استقبل المحرر "الرسالة" التي عاشت معه فرحة النصر، وفي رده على سؤال حول شعوره بتحريره ضمن صفقة شاليط قال "شعور لا يوصف، وتعجز الكلمات عن الحديث عنه، وبخاصة بعد أن جاء على خلفية صفقة شاليط التي كسرت شوكة الاحتلال، ومرغت أنفه في التراب، فبددت جبروته".
عيونه تحبس الدموع
ولم تنسِ الفرحة المحرر نبيل إخوانه الأسرى الذين تركهم خلفه في سجون الاحتلال، فعيونه التي سعت إلى حبس دموعه كانت الأقوى من أي كلمات حاول أن يعبر عن حزنه الشديد على فراقهم وتركهم يواجهون الاحتلال بمعركة الأمعاء الخاوية، وتحامل على نفسه وهو يصف مشهد وداعهم قائلا: "لم تكتمل فرحتنا لأننا تركنا إخوانا يصارعون الأسر في سجون الاحتلال".
ولظروف الأسر والاعتقال محطات ما زالت تذكره في احتلال لم يراعِ أدنى مقومات الحياة أثناء اعتقاله، وتطرق خلال حديثه لمحنة الاعتقال مبينا أنه أمضى معظم سنوات اعتقاله في العزل الانفرادي؛ في محاولة للنيل من عزيمته وكسر صموده أمام السجان (الإسرائيلي).
أما عن المقاومة فكانت لها مكانة كبيرة في قلبه.. كيف لا وهي التي أفرجت عن الأسرى الذين جعلوا الفلسطينيين يعيشون عرسا جماهيريا كبيرا؟!..
رسالته للمقاومة
وعن رسالته للمقاومة وعلى رأسها كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة حماس- حملت كلماته كل شكر وعرفان لها، وواصل حديثه قائلا: "ندعو المقاومة لمواصلة طريق تحرير الأسرى لنسعد بتحرير إخواننا الذين تركناهم خلفنا وهم ينتظرون لحظة الإفراج عنهم على أحر من الجمر".
وأكمل: "نحمل رسالة إلى الشرفاء أصحاب القرار في قادة المقاومة الفلسطينية بأن تكون قضية الأسرى على سلم الأولويات للعمل على إخراجهم من الأسر".
ودعا الغيورين على الأسرى للعمل بكل الطرق والسبل لتحريرهم، وأكد أن صفقة الأحرار أثبتت أن خطف الجنود (الإسرائيليين) من أنجع الطرق والوسائل لتحرير الأسرى.
ذكريات الوالدة
وإلى جانبه جلست والدته المسنة التي استهلت حديثها بالشكر لله تعالى على الإفراج عن فلذة كبدها، مترحمةً على أرواح الشهداء الذين استشهدوا في عملية الوهم المتبدد التي أسرت من خلالها المقاومة الفلسطينية جلعاد شاليط.
ولم تنس الحاجة المسنة شكر المقاومة التي احتفظت بشاليط لأكثر من خمس سنوات، "فحققت هذا النصر الذي توج بالعرس الفلسطيني الكبير بنجاح الصفقة"، وطال شكرها أيضا رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية.
وعادت والدة الأسير بذاكرتها إلى ما يزيد عن عشر سنوات مستذكرةً مشهد ابنها وهو مكبل اليدين والقدمين في وضع يجسد انتهاك الاحتلال لإنسانية الأسير الفلسطيني، وقالت: "لم أتمالك نفسي حين شاهدته في هذا المشهد فبكيت من الحسرة والألم، ودعوت الله عز وجل أن يهون عليه قسوة السجان".
استغاثة من الأسر
وأضافت الوالدة: "أخبرني أنه أمضى عاما ونصف وهو في هذا الوضع المأساوي دون أن تتدخل أي من المؤسسات الحقوقية والدولية".
وما زالت تذكر كلماته وهو يستغيث بها طالبا توجهها إلى الصليب الأحمر وإلى المؤسسات الحقوقية والدولية الأخرى للتدخل الفوري والعاجل لإنقاذ حياته من سياسة الموت البطيء التي انتهجها الاحتلال في محاولة لتصفيته، ولم تتمالك الأم نفسها أمام ولدها فحاولت التخفيف عنه بالدعاء.
ووصف شقيقه أبو حمزة من جهته صفقة التبادل بنصر للأمة العربية والإسلامية برمتها، وقال لـ"الرسالة": "الفرحة لا تشمل الفلسطينيين وحدهم بل عمت جميع الدول العربية والإسلامية".
غصة في القلب
بقاء أكثر من خمسة آلاف أسير في سجون الاحتلال كان له غصة في قلب أبي حمزة الذي دعا المقاومة للعمل على تحريرهم لإكمال الفرحة المنقوصة، ورأى أن النصر لا بد من أن يسبقه ثبات وصمود على البلاء، "لأن النصر صبر ساعة"، وواصل حديثه وهو ينظر لشقيقه المحرر
ويقول: "ما كنا نتوقع أن يخرج نبيل لكنه خرج رغم حكم الاحتلال بالسجن 27 عامًا".
وتوجه بالشكر الجزيل لله عز وجل أولا، "ثم للمقاومة التي خطفت شاليط وحررت شقيقي من الأسر رغم أنف الاحتلال".
وبارك براعة المقاومة الفلسطينية في الحفاظ على شاليط حتى إبرام الصفقة التي وصفها بأنها تستحق وقفة إجلال وإكبار، "لأنها أدخلت الفرحة والسرور على قلوب الفلسطينيين، وغيرت المعادلة وقلبت ميزان القوى لمصلحة الحق الفلسطيني".