قائد الطوفان قائد الطوفان

العيد في غزة "أيام زمان"

الرسالة نت - أحمد الكومي

لاحظناها من بعيد تفترش عتبة منزلها، ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، والأطفال من حولها يلعبون، كل منهم يتباهى بلباسه الجديد، وهي رغم كبر سنها تناست أوجاعها، وشاركت الصغار فرحتهم.. كم كان رائعاً ذلك المشهد.

فضول أنفسنا أجبرنا على إرجاء مواعيدنا، والتوجه إلى الجدة أم مهدي -في السبعينات من عمرها- والركون إليها، على أمل سماع قصة أو أغنية -من أيام البلاد- تطرب بها آذاننا، وتنشرح لها صدورنا، ونستذكر بها الأوقات التي كان يقضيها أجدادنا في أعيادهم.

انفرجت أساريرها لحظة لقائنا بها، وغطت البسمة محياها عندما طلبنا منها أن تقص علينا حكايات من زمن الأجداد، وأن تصف لنا أعيادهم "أيام زمان".

صرفت نظرها عنا برهة، وكأنها تستعيد شريط ذكرياتها، وكان غُرة حديثها: "ساق الله على أيام زمان يا ستي".

التفتت إلينا وقالت: "كان الكل يترقب بلهفة العيد، خاصة الاطفال، الفرحة كانت لا توصف والاستعدادات المتواضعة لاستقبال هذا الاحتفال تدل على بساطة المجتمع القديم؛ لكن مع مرور الزمن بدأنا تدريجياً بافتقاد تلك الفرحة الفطرية، وأصبح العيد كسائر أيام السنة".

وتضيف: "كنا ننتظر العيد على أحر من الجمر، حيث أن قطعة القماش التي كان يجلبها لنا والدنا هي الفرحة الكبرى لنا، فمثل هذا القماش لا نعرفه طوال العام، ولن نلبس غيرها طوال ما تبقى منه، فلا جديد بعد ذلك".

وذكرت بأن النسوة كن يجهزن الحناء يخضبن بها أنامل البنات في المساء، والولائم الدسمة للرجال في صبيحة اليوم الأول من أيام العيد.

جذبنا روعة حديث الجدة أم مهدي، ودفعنا إلى الجلوس بجوارها، واحتساء مشروب الشاي الساخن، وتذوق كعك العيد الذي أصرت علينا مسبقاً بتناوله معها، والسر يكمن في أنها صاحبة الفضل في إعداده.

وحلَّقت أم مهدي في مخيلتها بعيداً، إلى ما قبل 50 عاماً مضت، وأخذت تسرد وتصف أعياد أجدادنا لحظة بلحظة.

وبعد الاستعداد المسبق وتنظيف القرية، تقول أم مهدي إن الاحتفالات تبدأ عقب صلاة العيد -أي بعد شروق الشمس- حيث يجتمع الناس ليتبادلوا التهاني والتبريكات ورائحة البخور تتنفسها في كل مكان.

ولأن لكل عيد خصوصيته، خاصة في بدايته وكيفية الاحتفال به، رغم أن ما تطرقنا اليه سلفاً عن طريقة الاحتفال يطبق على كلا العيدين؛ لكن هناك فرقاً -والكلام للجدة العجوز- بين الاحتفال بعيد الفطر والاحتفال بعيد الاضحى.

ففي عيد الفطر يذهب الناس بعد الصلاة مباشرة الى بيوتهم لتناول وجبة الافطار الرئيسية "الفسيخ"، بعد صيام شهر رمضان المبارك، ثم يبدأ التزاور بين الأهل والجيران، أما بالنسبة لعيد الاضحى وما يميزه هو "خروف العيد" وذبح الأضاحي وترقب الناس لوصول حجاج بيت الله الحرام.

وعن العبارات التي كان الناس يطلقونها قديماً للتهنئة بالأعياد، تقول الجدة إن العبارات قديماً هي نفسها التي تطلق حالياً، "كل عام وأنتم بخير"، "عيدكم مبارك"، "عساكم من عوداة" .. وغيرها الكثير.

وتتابع، والفرحة تتملكها: "كانت البساطة والحاجة المتبادلة بين الناس واحتياج الناس لبعضهم البعض هي بمثابة جسر يربط أفراد المجتمع فيما بينهم، الكل يهنئ ويبارك وكل الخلافات والأحقاد تتلاشى مع فرحة العيد، حتى مظاهر الاحتفال رغم تواضعها وبساطتها تبقى جميلة.. الحركة المدوية في كل مكان، ركوب العربات التي تجرها الخيول، وألعاب الأطفال، والمأكولات والمشروبات، والأغاني والأهازيج، وخلافها".

كانت الجدة أم مهدي متشوقة لإكمال حديثها معنا، إلا أن زيارات الأهل والأحباب في العيد، حرمتنا ذلك، وودعناها بعدما وعدتنا بلقاء قريب، وفارقتنا الجدة العجوز وكلها أمل بأن يستذكر الأحفاد ما تركه الأجداد.

البث المباشر