من صميم تراثنا الفلسطيني

"المهاهاه" و"الزغاريد" فن شعبي للتعبير عن الفرح بشتى ألوانه

نساء في عرس فلسطيني
نساء في عرس فلسطيني

المبيض : بها تتنافس النسوة للتباهي بأبنائهن العرسان

الحاجة رجب : أهل زمان يعرفون كيف يفرحون

د.شبير : لكل مجتمع وسائله الخاصة للتعبير عن الفرح

غزة _ أمل حبيب

رسمت الفرحة على الوجوه وتشابكت الأيادي واجتمع العروسين لعقد القران , فسألها المأذون : هل تقبلن به زوجا لك ؟ فهزت برأسها خجلا , ثم سأله هل تقبل بها زوجة لك ؟ فتبسم  قائلا : نعم , فتعالت الزغاريد وعمت أرجاء المكان , فتباهت أم العريس بولدها قائلة

آه هي حوطتك بالله          آه هي وزهر البساتين

آه هي يا مصحف صغير   آه هي قدام السلاطين

ثم تردد النسوة الزغاريد

ثم يأتي دور والدة العروس لتمدح ابنتها قائلة :

آه هي يا طولك طول النخل   آه هي والشعر زي الليل

آه هي وهادا العريس صاد الغزالة إلي عليها العين

ثم تزغرد مجموعة من النسوة

"الرسالة" تحاول إلقاء الضوء على جزء آخر من التراث الفلسطيني وهو المهاهاه والزغاريد لمعرفة المزيد عن عبق الماضي الأصيل.

ساق الله أيام زمان

الحاجة التسعينية أم كمال رجب ملأت التجاعيد وجهها , تحدثت للرسالة بعد أن استرجعت شريط ذكرياتها قائلة : " ساق الله أيام زمان (...) كان الناس يعرفون كيف يفرحون .. لا هموم ولا مشاكل ", مضيفة: " كانت النسوة تجتمع في الأفراح وتغني وتزغرد لتعم الفرحة أرجاء الحي بأكمله , فكانت زفة العريس تجوب أنحاء القرية والنساء تغني وتقول :

يوي حوطتك بالله   يوي والتانية تنتين

يوي والتالتة خرزة زرقة نرد عنك العين

وتردد النسوة الزغاريد

ونوهت الحاجة رجب إلى اختلاف بسيط في المهاهاه وهو أن أهل القرية يقولون يوي , وأهل المدينة يقولون آه هي.

 

مطارحة إبداعية

من جهته أوضح المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض أن المهاهاه هي نوع من المطارحة الإبداعية الآنية التي في غالب الأمر تكون وفق المناسبة وهي أشبه بـ"الرزيعة الفلسطينية"- نوع من الفن الشعبي-  وغالبا مناسبات الأفراح التي تتنافس النسوة فيها لإظهار إبداعهن وللتباهي بأبنائهن العرسان , مشيرا إلى أنها تمثل دور رائع في الذكاء الفطري عند النساء وخاصة أن اغلبهن أميات لا يعرفون الكتابة أو القراءة ويكون من إنتاجهن الفكري في اللحظة نفسها .   

الحاجة رجب بينت بان المهاهاه لا تقتصر على مناسبة الأعراس فقط قائلة :" هناك مهاهاه خاصة لختان الأولاد فتجتمع نساء القرية ويقمن بعمل المكابس وهي عبارة عن صينية يوضع فيها مجموعة من الفساتين والملابس الجميلة على هيئة مستطيلات وتزين بالذهب والريحان وتقدم إلى أهل الولد المراد ختانه" وتابعت :" النسوة توصي الحكيم "الطبيب" بان يرفق بالصبيان ولا يؤذيهم بقوة مرددات :بالله عليك يا مزين بالله عليك ... لاتوجع الصبيان ... لأعتب عليك.

 

للحج فرحة خاصة

أما الحاجة أم علاء والتي تصغر الحاجة رجب بثلاثة عقود أوضحت بان لحجاج بيت الله أغاني وأفراح خاصة بهم فتزين البيوت وتوزع الحلوى قائلة :" يتم توديع الحجاج بالأغاني الشعبية والزغاريد وتبين النسوة أن فرحة الحج لا تعادلها فرحة قائلات :

آه هي العرس ماهو فرحة    آه هي ولا طهور الصبيان

آه هي إلا زيارة النبي        آه هي والوقفة بين العمدان

وتزغرد النسوة فرحا  لتصل أصواتهن عنان السماء , وأشارت أم علاء إلى أن عادات  الماضي من الزغاريد والأغاني الشعبية تدخل البهجة على القلوب على عكس أيامنا التي يكون الفرح فيها محدود ومقتصر على أهل المناسبة .

من ناحيته أوضح الدكتور وليد شبير رئيس قسم الخدمة الاجتماعية بالجامعة الإسلامية بان الترابط الاجتماعي بين الناس في الماضي كان بشكل اكبر لأنه كلما تقدم المجتمع أصبح هنالك عزلة اجتماعية , فالأسرة الممتدة تحولت إلى "نووية" صغيرة , قائلا :" على سبيل المثال في الماضي كان العرس الفلسطيني يستمر شهرين أو ثلاثة ويشارك جميع أهل القرية بالعرس بالأغاني الشعبية والزغاريد والدبكة", مبينا أن الأجداد قديما كانوا يتحلون بسعة الصدر وحب الفرح والشعور بالرضا بالإضافة إلى سعة الأرض , أما اليوم فيفرحون بوسائلهم الخاصة.

وحول تأثير الحصار وإغلاق المعابر على المجتمع الغزي , أكد شبير بان الأوضاع السياسية وإغلاق المعابر وآثار الحرب الأخيرة تقلل من فرص إدخال البهجة في النفوس , إضافة إلى نسيان جزء كبير من التراث الفلسطيني مما أدى إلى اختفاء بعض العادات واللجوء إلى الأجواء الغربية للتعبير عن الفرحة .

لحافظ القرآن نصيب

وعادت الحاجة أم كمال لتحدثنا عن الماضي الأصيل وبان النسوة كن يرددن الأغاني و المهاهاه حتى في وقت الحصيدة  ويقضين الوقت بالضحك والمزاح , وقالت للرسالة بعد أن صمتت برهة من الزمن وكأنها عادت لتعيش الموقف :" رحم الله أم شحته كانت دائمة المزاح ,فعند إنشاء طريق بين بئر السبع وغزة أيام الانجليز , كانت السيارات تأتي محملة بالبضائع فتقول : يوي هادي سيارة أبو شحته فترد عليها أم عمر:يوي يختي هادي سيارة أبو عمر محملة بالبضائع فتضحك النسوة راضيات بما رزقهم به الله .

وأضافت بان جارتها كانت تغني وتهاهي لابنها المريض حتى تسمع عدوتها قائلة :  

يوي الباطنية لأعملها   يوي لوببيع الشاشية

يوي ولا العدوة تقول     يوي بدنا نروح عالبرية

وكانت النسوة تغني وتهاهي في مناسبات عديدة ومنها عندما ينهي الولد حفظه للقران الكريم بالكتاب أي عندما يتخرج من المدرسة أو الجامعة بلغة اليوم .

ووجه المبيض رسالة إلى المهتمين بالتراث الفلسطيني بشتى أصنافه مفادها:" بث الوعي لأهمية وقيمة التراث بشقيه المادي والمعنوي وجمعه وتصنيفه ودراسته بشيء من التفصيل  وتعليمه لطلبة الجامعات ضمن المساقات التدريسية ".

لو نبشنا في تراثنا الفلسطيني لوجدنا الكثير من الأمور التي تحتاج إلى تسليط الضوء عليها لمعرفة مواطن الجمال في ماضينا الأصيل، ولعل المهاهاة والزغاريد أهم ما ميز تراثنا الجميل  

 

البث المباشر