المسجد بيت الله سبحانه وتعالى ومكان العبادة, وموطن لالتقاء المسلمين في الحيّ الواحد أو البلدة الواحدة, ومن حرص الإسلام على بقاء هذا المكان سامياً في عيون المسلمين ليؤدي مهامّه العظيمة فقد وضع له آداباً عظيمة, وهذه الآداب العظيمة منها ما هو مخصّص لكل الصلوات ومنها ما هو مختصّ بيوم الجمعة فقط.. ومن هذه الآداب:
1- اتخاذ الزينة (ستر العورة واللباس الجميل): {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } (الأعراف31), والزينة اللباس قاله ابن عباس (ابن كثير). ولهذه الآية وما ورد في معناها أنّه يستحبّ التجمّل عند الصلاة، ولا سيّما يوم الجمعة ويوم العيد، والطيب لأنّه من الزينة والسواك, لأنّه من تمام ذلك. (ابن كثير الأعراف 31).
2- القدوم إلى المسجد بسكينة وتؤدة: الصلاة في المسجد دعوة من الله سبحانه وتعالى لعباده للقائه ومقابلته, والمدعو يجب عليه أن يكون متزناً عليه من السكينة والوقار ما عليه, فهو سيقف بين يدي الله سبحاه وتعالى ولذلك وجّه النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة عند القدوم إلى المسجد فعن أبي هُرَيرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ, وَأْتُوهَا تَمْشُونَ عَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا " (متفق عليه), وعن أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: بَينَمَا نَحنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعَ جَلَبَةً فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا استَعجَلنَا إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ فلا تَفْعَلُوا إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكتُمْ فَصَلُّوا وَمَا سَبَقَكُمْ فَأَتِمُّوا " (متفق عليه).
3- الحفاظ على نظافة المسجد: المسجد بيت الله سبحانه وتعالى, وأهمّ ما ينبغي للمسلم أن يفعله أن يعظّم هذا البيت تعظيماً لصاحبه, وأوّل أنواع هذا التعظيم أن ينظّف الإنسان المسجد أو على الأقل أن لا يرمي فيه أوساخه وأدرانه, وأن يلتقط وهو خارج من المسجد ما يجده في طريقه, وقد بوب البخاري رحمه الله باباً أسماه بَاب كَنْسِ المَسجِدِ وَالتِقَاطِ الخِرَقِ والقَذَى والعِيدَانِ منه؛ أي: من المسجد. وجعل الإسلام لتنظيف المسجد الأجر العظيم حتى لو أخرج الإنسان معه من المسجد القذاة الصغيرة, فعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حتَّى القذَاةُ يُخرِجُهَا الرَّجُلُ مِن المَسجِدِ ".(الترمذي 2840).
4- عدم تخطي رقاب الناس: عَن سَهلِ بنِ مُعَاذِ بنِ أَنَسٍ الجُهَنِيِّ عَن أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :" مَنْ تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اتَّخَذَ جِسْرًا إِلَى جَهَنَّمَ(الترمذي471)
قال في تحفة الأحوذي:" قوله:(من تخطّى) أي تجاوز (رقاب الناس) أي: بالخطو عليها (يوم الجمعة) ظاهر التقييد بيوم الجمعة أنّ الكراهة مختصة به، ويحتمل أن يكون التقييد خرج مخرج الغالب لاختصاص الجمعة بكثرة الناس بخلاف سائر الصلوات فلا يختصّ ذلك بالجمعة بل يكون سائر الصلوات في حكمها ويؤيدّ ذلك التعليل بالأذية وظاهر هذا التعليل أنّ ذلك يجري في مجالس العلم وغيرها.
5- الاغتسال يوم الجمعة والمسّ من الطيب: من السنن المهمّة في الحياة الاجتماعية للأمّة أنّ الإسلام أوجب غسل الجمعة على كل محتلم ومن ذلك من الفوائد مالا يحصى فالمسلم سيلاقي إخوانه ويزور المسجد, فلا ينبغي أن تكون رائحته كريهة وجسمه وسخاً فينفر منه الناس ويمجّونه قَالَ طَاوُسٌ قُلْتُ لِابنِ عَبَّاسٍ ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" اغتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغسِلُوا رُؤوسَكُمْ وَإِن لَم تَكُونُوا جُنُبًا وَأَصِيبُوا مِن الطِّيبِ" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا الغُسْلُ فَنَعَمْ وَأَمَّا الطِّيبُ فَلَا أَدْرِي. (البخاري853).
6- تجنب الروائح الكريهة عند القدوم إلى المسجد: ومن المحسّنات الاجتماعيّة والتي ربطها الإسلام بالسنّة النبويّة أن يقدم الإنسان إلى المسجد متطيّباً حرصاً منه على مقابلة العدد الوافر من المسلمين برائحة ذكية, لأنّ الرائحة الجميلة للإنسان تعكس اهتمامه بالمكان الذي يذهب إليه كما أنها تعبر عن نفسية متفائلة ومرحة ومقبلة على الآخرين بحبّ وشوق, ومن هنا جاء اهتمام الإسلام بالطيب وتنفيره من كل رائحة كريه حتى ولو كانت طعاماً فعن جَابِر، قالَ: قالَ رَسولُ الله: "مَنْ أَكَلَ مِن هَذِهِ قال أوَّلَ مَرَّةٍ الثوم ثُم قَالَ الثومَ والبَصَلَ والكُرَّاثَ، فلا يَقْرَبْنَا في مساجدنا ".(الترمذي كتاب الأطعمة باب ماجاء في كراهة أكل الثوم).
7- تغير الجلسة حال النعاس: قد يحضر الواحد منا صلاة الجمعة وهو متعب, فما إن يجلس ليستمع إلى خطبة الجمعة حتى يستسلم للنوم ويشعر بكلام الخطيب يقوده بهدوء إلى النوم ويسلمه إليه, فيضيّع عليه الفائدة المنوطة بصلاة الجمعة؛ ولذلك حمّل الإسلام مسؤولية الاستفادة من صلاة الجمعة في مثل هذه الحالات للمرء نفسه حيث أمره أن يغير جلسته ويتحوّل من مكانه إن هو أصابه نعاس فعَن ابنِ عُمَرَ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُم يَومَ الجُمُعَةِ فَليَتَحَوَّلْ مِن مَجلِسِهِ".(الترمذي484).
8- الخروج من المسجد: للخروج من المسجد أيضاً آدابٌ راقيّة وسنن تنظيميّة فالمسلم بعد أن أدى العبادة المطلوبة منه لا بد أن يتحلى بآثار هذه العبادة في تحسين ذوقه والارتقاء به إلى السنّة الصحيحة, فالسنّة الصحيحة هي الكمال الذوقيّ بعينه. ومن هذه الآداب ألاّ يسرع بالخروج من المسجد قبل النساء حتى لا يشكل ازدحاماً أو اختلاطاً لا يرضاه الإسلام.
9- آداب المرأة إذا خرجت إلى المسجد: أباح الإسلام للمرأة أن تخرج إلى المسجد وتصلّي فيه, ولم يشترط لذلك شرطاً سوى عدم الفتنة وإذن الزوج, وقد أفرد الإمام مسلم باباً أسماه باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة.
"ويلحق بالطيب ما في معناه؛ لأنّ سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال".(فتح الباري كتاب الأذان باب انتظار الناس قيام الإمام).