مقال: ولكن.. إنها تَذْكِرَة (1)

بقلم/ م. كنعان سعيد عبيد

حتى لا يَنظر القارئ للجزء الفارغ من الكوب ولا يُساء الظن في مقالي اعتبروني كتبت ألف مقال ومقال أمدح صمود أهل غزة وأمدح الأمن والأمان وإنجازات الحكومة والوزراء والشفافية وأمدح التحدي والجهاد.. وأتمتع بذكر خطف شاليط وتحرير الأسرى وأتغنَّى بالأنفاق والصورايخ وأعتبر أن الربيع العربي بدأ من غزة.

كما إنَّه لا ضَيرَ أن تكون الآية الكريمة في سورة عبس (كلّا إنها تَذْكِرَة).. تَذْكِرَة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في فقه الأولويات الدعوية فأيضا لا ضَيرَ أن أكتب على نسق (إنها تَذْكِرَة)؛ تذكيرا لأولي الأمر حتى لا تتوه معهم أولويات إدارة يومهم وجهدهم، إذ تعيش الحكومة والإدارات العليا حالة من حالات استنزاف الوقت والجهد بين مهرجانات واحتفالات أشبه بالزفات الاستعراضية بين يدي دعوات فاخرة أشبه بدعوات الأعراس ومنصات وكراسي مكتوب عليها محجوز يأتي أصحابها متأخرين وكلمات احتفالية تكررت على مسامع الجمهور من كل المتحدثين لألف مرة, ومؤتمرات الأرقام يُستكتب لها عبثا ويُطبع لها أوراق لا تُقرأ وتنتهي بغذاء عملٍ وتوصيات لا يُوصى بها أحد. 

وليس بعيدا جداول بعض الوزراء وأولي الأمر المُنشغلين في لقاءات بروتوكولية على هامش ما يُسمى بالعلاقات العامة التي تفوق الاجتماعات الإدارية مع المرؤوسين وبرامج افتتاح مشاريع في حضرة الكاميرات والابتسامات وقص شريط أحمر ينتظر "زغروتة أم العريس".

كأنَّنا في رفاهية من أمرنا، أو قُل كأنَّنا في غَيرِ غزة المأزومة التي تحتاج لكل ثانية من وزرائنا وكل لحظة غالية من أوقات الأخ رئيس الوزراء التي تنقضي مع الوفود والزيارات الاجتماعية أكثر مما تُقضَى مع الوزراء والمسؤولين للمتابعة والتوجيه.   

كما كانت الحالة الدعوية لا تَحتمل أن يَتَلَهَّى محمدٌ -صلى اللهُ عليه وسلم- عن تعليم ابن أم مكتوم أملا في إسلام بعض ِعليَة القوم فإن الحالة الجهادية والإدارية في غزة لا تحتمل أن يَتَلَهَّى السيد رئيس الوزراء والحكومة بالمفضول عن الأفضل، ولا بد من جدولة أوقاتهم ألاَّ تُستنزف هَدَرا على مذبح توافِهِ الأمور، وجُهدهم ألا يَذهب مبذَّرا كرمادٍ في يوم عاصف؛ وذلك لأن غزة ليس كمثلِها بلد وقصتها تحت المناظير بين حبيب متلهف لنصرٍ ومتربِّص مُنتظرا شماتة، ويهودٍ بالمرصاد على الأبواب.

البث المباشر