د. م. أسامة عبد الحليم العيسوي
وزير النقل والمواصلات
أشلاء هنا وهناك...أجساد بريئة تتناثر...طفولة تسلب أمام الجميع...حريات تصادر... وسنين تسرق من رجالات الوطن...أراضي تنهب وحرمات تنتهك...والجلاد يستمتع ويبرر ويقاوح...والضمير العالمي في سبات عميق. باختصارٍ شديد هذا هو حال فلسطين وأهل فلسطين. عشرات الشهداء والجرحى في أيام معدودات، وعشرات الغارات الجبانة هنا وهناك، مستوطنات جديدة لمن جاءوا بلا عنوان لينهبوا منا الزمان والمكان. القدس تدنس كل يوم أمام عيون مليار مسلم ويزيد، ثلاث مئة يوم قاربت على نواب القدس ووزيرها وهم في خيمتهم، تنسيق أمني وتبادل أدوار، كل هذا ولم يكتفي الجلاد فوسع دائرة الصراع في أوروبا وفي العالم العربي، هي بدايات، ولا أظنها ستقف. فمن الذي سيوقف هذا المحتل؟! من الذي سيضع حداً لهذه الانتهاكات؟! من الذي سيقف أمام الجلاد ليقل له كفى، من يوقف حقداً أسود... بل ويتعدى ذلك ليقول له عد من حيث أتيت.
بداية خير كانت مع تقرير جولدستون، ولكنه يحاول أن يتراجع. إنه اللوبي الصهيوني، إنه الضغط الإعلامي والنفسي والمدروس، علهم يشككون في هذا التقرير، أو لعلهم يخففون من الخزي والعار الملازم لهم بعد معركة الفرقان وأسطول الحرية. وكأن ما حدث في معركة الفرقان يحتاج إلى تقارير!!!. ألم تكن الصور كافية، أليست آلاف القتلى والجرحى والثكالى والأيتام بدليل على جرم الجلاد!!! كم من البيوت يريدون أن تدمر حتى يصدقوا أنها كانت مجزرة بحق الإنسانية، أم كم عائلة يريدون أن تشرد وتهجر حتى يصدقون أنها كانت مأساة سطرها بنو صهيون على مرأى ومسمع العالم؟؟؟
ولم يكتفي المحتل بكل ذلك، ليل نهار يواصل الاعتداءات والانتهاكات في القدس، في غزة، وفي الضفة. فهو يعلم أن العالم العربي مشغول بثوراته والتي ينظر إليها بعين الخوف، ونحن ننظر إليها بعين الأمل، عساها تعود بالحكومات العربية إلى رشدها لتلتحم مع شعوبها، شعوبها التي تهتف وربما قبل هتافها الذي أضحى شعار المرحلة: الشعب يريد إسقاط النظام، فالأمة كل الأمة تهتف من داخلها: الشعب يريد زوال إسرائيل. لذا فليس غريباً أن يدعم بنو صهيون المتغطرسين من بني عروبتنا، فكل يوم يبقى طاغية على كرسيه هو مكسب لبني صهيون. فنحن على يقين أن تحرير فلسطين يبدأ بعد تحرر الشعوب العربية، ويبدأ بعد أن تنفض الأمة غبار الخنوع والخضوع عن كاهلها، وها هي بدأت تتحرر من القيود التي كبلت بها لعقود من الزمن. فهو تاريخ جديد يسطره الشباب والشرفاء الأحرار، ليعلنوا نهاية حقبة الذل والتركيع وطأطاة الرؤوس، لتبدأ مرحلة جديدة قائمة على الحرية والديمقراطية والعدل. إن الثورات التي شهدها العالم العربي في الفترة الأخيرة هي ثروات يجب الحفاظ عليها بكل ما أوتينا من قدرات ليتم توظيفها في التحرير الشامل والكامل للأمة جمعاء.
ولكنه كذلك تاريخ يأبى المحتل إلا أن يضيف فيه المزيد من العدوان والاغتصاب بكافة أشكاله وأنواعه، بل إنه يتفنن في ذلك وكأنهم الجرمان في لعبة الترافيان في وحشيتهم، فهم يريدون أن يضيفوا إلى مملكتهم الواهية المزيد ولو على حساب الإنسان (مع الاعتذار لعشاق هذه اللعبة، فربما فيها من المبادئ ما هو ببعيد عن الإسرائيليين)، وأين الإنسان، فلا إنسان بالنسبة لهم إلا من نسل يهود، والباقي مجرد عبيد.
وأمام هذا الصلف الصهيوني وهذا الحقد الدفين، وهذا النهج الدموي، لا نملك نحن أصحاب الحق إلا أن نبقى متمسكين بحقوقنا، متجذرين في أراضينا، متوحدين في مواقفنا، وما أكثرها المبادئ والشعارات التي يمكن أن نجتمع عليها وتوحدنا = القدس، الأقصى، اللاجئين، حق العودة، الأسرى، المقاومة....= فلنتمسك بها ولنرفعها عالياً في قلوبنا في عقولنا في تفكيرنا في كلماتنا ولنجسدها في أفعالنا، عساها تخفف من الواقع الصعب، وعساها تكون باعثة للتفاؤل، فالحياة لن تستمر إلا بذلك، فمهما طال الليل فالفجر قادم. وشعب فلسطين صدق فيه القول:
أنت الذي وقف أمام الاحتلال كالسد المنيع ....
لا تأبه بالصعاب،
وترفض أمام العقبات الخضوع...
أنت الذي لا يقبل لغير ربه الركوع...
لذا قريباً ستضاء في الأقصى الشموع
ستستمر الحياة رغم الآلام والجراح، ستتواصل بحلوها وبمرها، بأفراحها وأتراحها، نحياها كما هي، نضمد الجراح ونتناسى الآلام، فالمشوار طويل والتحديات صعبة، والأشواك كثيرة، ولكن الغاية عظيمة: إنها... فلسطين.