مقال: نفاق المرشحين الجمهوريين

بقلم: جيمس الزعبي: رئيس فريق العمل الأمريكي في فلسطين

في يوم 6 ديسمبر 2011، ظهر ستة مرشحين لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية عن الحزب الجمهوري أمام ما يعرف بـ"التحالف اليهودي الجمهوري" وذلك في إطار حملتهم الرامية لاجتذاب الأصوات اليهودية. (هناك جمهوريون يهود، لاشك في ذلك، ولكن ليس بما يكفي لإحداث الفارق في المنافسات التمهيدية). وكانت الجائزة الحقيقية التي اجتذبت المرشحين إلى اجتماع "التحالف اليهودي الجمهوري" هي أصوات الـ40 % من الناخبين الجمهوريين في المرحلة التمهيدية من المتمسيحين "المولودين من جديد" الذين يؤمنون إيماناً عجيباً بأن (إسرائيل) لا ترتكب الخطأ! وتفعل الصواب دوماً! وأن واجبهم الديني يحتم عليهم مساندة جميع السياسات (الإسرائيلية)، كائنة ما كانت، كشرط أساسي لتسريع مقدم "يوم القيامة".

وقد كانت الكلمات التي ألقاها هؤلاء في تلك المناسبة مفعمة بالنقد الهستيري للنهج الذي تتبعه إدارة أوباما في "استرضاء" أعداء (إسرائيل) من جهة، وبالمديح المفرط (لإسرائيل) من جهة أخرى. ونظراً لاحتواء ملاحظات هؤلاء المرشحين على تهم ووعود غير مسئولة، فقد رأيت أن أضمن مقالتي هذه مقتطفات دالة، أوردها فيما يلي، لكي أعطي القارئ لمحة عن المدى الذي وصل إليه الحزب الجمهوري في البعد عن الحقائق والوقائع الراهنة في الشرق الأوسط:

- نيويت جينجريتش: "إن أول شيء سأفعله إذا ما أصبحت رئيساً، هو إصدار أمر تنفيذي بنقل السفارة الأميركية في (إسرائيل) إلى القدس كما هو منصوص عليه في التشريع الذي قدمته للكونجرس عام 1955... ويجب على الولايات المتحدة في رأيي أن ترفض صراحة مفهوم حق العودة للاجئين الفلسطينيين... ويجب علينا تذكر أنه لم يكن هناك شيء اسمه فلسطين، حيث كانت هذه المنطقة تابعة للإمبراطورية العثمانية، وأن الشعب الفلسطيني شعب مخترع، فهم في الحقيقة سكان عرب وكانوا تاريخيّاً جزءاً من المجتمع العربي وبالتالي فأمامهم فرصة للذهاب للعديد من الأماكن".

- ميشيل باتشمان: "يبدو الأمر وكأن رئيسنا قد نسي مؤخراً أهمية (إسرائيل) لأميركا، ويفكر في علاقاتنا فقط من ناحية ما نفعله نحن (لإسرائيل). وفي الحقيقة أن الرئيس بات اليوم أكثر اهتماماً ببناء (إسرائيل) لمساكن فوق أرضها منه بالتهديدات التي تواجهها، وأيضاً تواجهها معها الولايات المتحدة في المنطقة.. أما ما يطلق عليه حق عودة الشعب الفلسطيني، فسيؤدي لتدمير (إسرائيل) ديموغرافيّاً من خلال إغراقها بملايين من العرب الذين لم يعيشوا فقط في (إسرائيل)، وهو ما سيحول "الدولة اليهودية" الوحيدة في العالم إلى الدولة العربية الثالثة والعشرين". وأضافت: "سوف تعترف إدارتي بالقدس باعتبارها العاصمة الموحدة لـ(إسرائيل)... وستعترف بضم (إسرائيل) لهضبة الجولان عام 1980 بالإضافة إلى ضمها لأي مستوطنات أخرى تختارها، باعتبارها دولة ذات سيادة".

- ميت رومني:" على مدار الأعوام الثلاثة الماضية ظل الرئيس أوباما يعاقب (إسرائيل) فقد اقترح علناً أن تعترف (إسرائيل) بحدود غير قابلة للدفاع عنها، وأهان رئيس وزرائها، وكان بشكل عام متردداً وضعيفاً في وجه التهديد الوجودي الذي تمثله إيران".

"وهذه المواقف جرّأت المتشددين الفلسطينيين الذين يستعدون الآن لتشكيل حكومة وحدة وطنية مع حركة حماس "الإرهابية"، ويشعرون بأنه بإمكانهم تجاوز (إسرائيل) على مائدة المفاوضات. وفي رأيي أن أوباما قد أضر باحتمالات "السلام" في الشرق الأوسط، وجعلها تتراجع تراجعاً لا يمكن قياس مداه".

- ريك بيري: "لقد دمر أوباما، على نحو منهجي، علاقة أميركا مع (إسرائيل)... وأود أن أكون واضحاً هنا وأقول إنني أدعم هدف إقامة دولة فلسطينية، بشرط أن يكون الفلسطينيون هم الطرف الذي يجب أن يستوفي شروطاً مسبقـــة من أجل إنشاء هذه الدولة". "و بدلا من ذلك، أصرت الإدارة على شروط مسبقة لم يسمع بها أحد من قبل بالنسبة (لإسرائيل) مثل الإيقاف الفوري للأنشطة "الاستيطانية"، واقتراح حدود 1967 كأساس للمفاوضات، وتدشين الممارسة الخاصة بالمفاوضات غير المباشرة التي أدت لتخريب اتفاقيات أوسلو". "إن (إسرائيل) لا تريد من رئيسنا أن يطلب منها الشعور بالعرفان لكونه أفضل صديق لها على الإطلاق، في الوقت الذي يطالبها فيه وزير دفاعه -بالعودة لمائدة المفاوضات اللعينة- مع الفلسطينيين، وفي الوقت الذي تشكك فيه وزيرة خارجيته في الديمقراطية (الإسرائيلية)، بل ويقوم سفيره في بلجيكا بإرجاع السبب في المشاعر المعادية للسامية المنتشرة بين المسلمين، لفشل (إسرائيل) في استيعاب الفلسطينيين".. "إن هذا السيل من المبادرات العدائية تجاه (إسرائيل) لا يبدو أنه قد جرى تدبيره وتنسيقه مسبقاً، ولكنه هو التعبير الطبيعي عن موقف هذه الإدارة تجاه إسرائيل".

 هذا الكلام إذن هو ما قاله المرشحون الجمهوريون لخوض انتخابات الرئاسة القادمة وهو لغو يتجاوز كل تلك الكليشيهات" العبارات الفارغة من مضمونها"، والأقوال الانتهازية المعتاد سماعها في سنة الانتخابات؛ وفي رأيي أن ما قالوه خطير، ومشين، ويمثل نوعاً من النفاق السياسي الفاضح، ويكشف في مجمله عن مدى الانفصال بين الحزب الجمهوري وبين السياسة الخارجية القائمة على الحقائق الواقعية التي كان الحزب يؤمن بها في عصر بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر. وعلى رغم أنه يصعب تخيل العالم البديل الذي يسكنه هؤلاء المرشحون للرئاسة، فإن المرء لا يملك سوى الشعور بالخوف عندما يفكر إلى أين يمكن أن يقود هؤلاء المرشحون سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إذا ما انتخب أي منهم رئيساً لأميركا.

البث المباشر