مؤمن بسيسو
ما طبيعة وماهية النموذج الإسلامي الذي نريد تجسيده في واقع المجتمع؟ وهل يمكن تسويق النموذج الإسلامي بأسلوب تقليدي أو عبر منطق الفرض والإملاء الذي يدفع به البعض في ضوء متغيرات العصر وتطور المجتمعات؟
مع تصدّر الإسلاميين للمشهد الانتخابي في بعض الدول العربية، واستعدادهم لتولي مسئولية حكم وإدارة شعوبهم خلال المرحلة المقبلة، يدخل العمل الإسلامي منعطفا تاريخيا حاسما، وتبدو الأساليب والوسائل والمعالجات أكثر حاجة إلى النضج والترشيد القائم على اليسر والإقناع بعيدا عن منطق المواجهة والصدام.
هناك من يعتقد أن الفرصة قد لاحت للإسلاميين لاستثمار الفوز الواضح والاندفاع نحو فرض القوانين والتشريعات الإسلامية في المجتمعات العربية، وهؤلاء ينظرون إلى نشر الدعوة والبرنامج الإصلاحي نظرة سطحية ساذجة تغفل طبيعة المنهج الإسلامي المتدرج، وتقفز عن معطيات الواقع وتعقيداته المعروفة، ولا يدركون شيئا عن فقه الأولويات الذي يشكل أساس عمل الدعوة الإسلامية والعمل الإسلامي.
لم ينتشر الإسلام أو يعلو شأن الإسلاميين والعمل الإسلامي يوما عبر منطق الفرض والقهر والإملاء، ولم تعانق أي تجربة إسلامية ذرى النجاح في أي وقت من الأوقات إلا عبر منظومة متكاملة من وضوح الفهم والهدف وسيادة القيم والأخلاق وتكريس المرونة والاقتناع.
من الغرابة أن يعتقد البعض أن منطق الفرض قادر على أن يؤتي أكله في سياق الظروف والمعطيات الراهنة، فهذا المنطق قد يسعد شريحة واحدة من شرائح المجتمع فحسب هي شريحة الإسلاميين وأنصارهم، لكنه يستجلب عداوة كافة الشرائح الأخرى دون استثناء.
ثار خلاف فقهي في الفترات الزمنية الأخيرة حول أسبقية تطبيق الحرية أم الشريعة، فلا زال هناك من يرى الأمور من منظار جامد، ويتحرك بعيدا عن واقع المجتمعات ومتغيرات واحتياجات العصر.
اليوم، وفي ضوء تجربة حكم حماس التي أثقلها الحصار، وفي ضوء ثورات الربيع العربي، بدت أولوية الحرية أشد ما تكون تجلّيا، وأيقن البعض خطأ حساباتهم المتعسفة التي حملت الشريعة بعيدا عن مقتضيات العصر ومشاكل المجتمعات.
لماذا لا يعتبر البعض من بعض التجارب الفاشلة كالتجربة السودانية مثلا التي انحرفت بوصلتها ومارست الفرض والتسلط ولم تحصد سوى الخيبة والخسران؟!
نحتاج اليوم إلى خطاب إسلامي رصين يقوم على مخاطبة المجتمع بشكل راقٍ وهادئ ومسئول عبر اعتماد أساليب عصرية ووسائل منطقية تكتسي طابع الإقناع والحوار بالحجة والدليل والجدال بالتي هي أحسن، فهي أقصر طريق إلى القلوب، وأسهل درب موصل إلى تحقيق الأهداف.
ما ألطف التوجيه النبوي الذي حثنا على انتهاج الرفق في الأمور كلها، فالرفق ما كان في شيء إلا زانه، والعنف ما داخل شيء إلا شانه.
الإسلاميون اليوم على مفترق طرق مصيري، وأول ما ينبغي عليهم إتقانه دقة وسلامة خطابهم الإصلاحي الموجه إلى شعوبهم، فالمرحلتين: الراهنة والقادمة لا تحتملان التجريب والاجتهادات الخاطئة، ولا تستوعبان إلا الرؤية النافذة والخطاب الواضح المنضبط الذي يرتكز إلى مصلحة الدين والأمة، والمبني على أساس فقهي: الأولويات والموازنات في سياسة الشعوب نحو خير حاضرها وصالح مستقبلها.