مصطفى الصواف
مضى عام من أعمارنا ونستقبل آخر لا نعلم هل نشهد نهايته ونستقبل العام الذي يليه، هكذا هي الحياة سنوات تنقضي وأعمار تنتهي، وطالما أن الحياة كلها إلى نهاية فلماذا لا نعمل على أن تكون هذه النهاية في طاعة الله عز وجل؟
يلوم البعض على البعض الاحتفال بنهاية عام ميلادي أو إرسال التهاني واستقبالها بدعوى انه يوم للمسيحيين وليس للمسلمين، فإذا كان هذا اليوم هو احتفاء بالنبي عيسى بن مريم عليه السلام فنحن أولى بعيسى من كل بني البشر كوننا نحن المسلمين آمنا به كما آمنا بكل الأنبياء والرسل، لأن الإيمان بالرسل جزء من صحة الإيمان والعقيدة، وإن كان العام لا علاقة له بالنبي عيسى عليه السلام، فهو نهاية عام يعتد به وميلاد عام جديد، علينا أن نضع الماضي في التقييم وان نرسم للحاضر القادم ما يجعله عاما نصحح فيه المسار ونعيد الحسابات ونعمل على أن يكون عاما نكون فيه اقرب إلى الله، لان الأيام كلها لله، فلماذا لا تكون أيام العام القادم وفق ما يحب الله ويرضى؟
صحيح أن الواجب الشرعي والديني يحتم علينا أن يكون العام الهجري هو تاريخ نسجله في كل أوراقنا لأنه ذكرى هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو تاريخ له ما له حيث كان بداية انتشار الدعوة وإقامة دولة المدينة والتي شكلت نواة الدولة الإسلامية التي امتدت في مشارق الأرض ومغاربها، ولكن هل هناك ما يخالف شرعنا وديننا وتاريخنا لو اعتمدنا إلى جانب التاريخ الهجري التاريخ الميلادي؟ نعتقد والله تعالى أعلى واعلم ألا حرج في ذلك، وان الأمر على إطلاقه مباح، فلماذا يُضيق البعض واسعا؟، واصل الأشياء الإباحة ما لم يكن هناك نص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
على العموم في هذا العام الذي اطل علينا في يومه الأول أمس يجب أن نفتح فيه صفحة جديدة مع الله أولا، وان نجعل منه انطلاقة نحو طاعة الله وان نكون فيه إلى الله اقرب، وان نخط لأنفسنا طريقا نحو المعالي، وعلو الشأن الذي يعتد به هو العلو عند الله، أما العلو في الدنيا فهو إلى زوال، لأنه كما يقولون: (الدنيا يومان يوم لك ويوم عليك، فإن كان لك فلا تبطر وإن كان عليك فلا تضجر)، ويقولون أيضا: ( الأيام دول)، فلا الأمير يبقى أميرا ولا الوزير يبقى وزيرا والذي يبقى بين الناس هو المعروف والخلق الحسن، أما الخلود فهو إما في جنة عرضها السماوات والأرض أو في النار والعياذ بالله.
وعليه علينا أن نقدم ما يجعلنا من أصحاب الخلود في الجنة، ومقياس ذلك هو السنين والأيام، نعمل في هذه الدنيا بما يوصلنا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ونعمل في الدنيا بما يترك لنا أثرا تذكره الناس، هذا الأثر يجب أن يكون أثرا ايجابيا يخلد صاحبه في نفوس الناس من خلال سيرته العطرة وعمله المبني على طاعة الله ثم خدمة للوطن وأهله، وليس من اجل نفس وهوى.
لماذا لا نعمل تقييم شامل للعام الماضي على أن تكون نتائج هذا التقييم وسيلة لرسم خطواتنا في العام الجديد، وان نحدد أين أصبنا وأين أخطأنا، وما هي الايجابيات وكيف نعززها، وما هي السلبيات وكيف نعالجها، تقييم شامل لكل مناحي الحياة التعبدية والحياتية وعلاقاتنا بأهل بيتنا وجيراننا، ونوسع الدائرة وننظر فيما حولنا من أصدقاء وزملاء عمل وصداقات مختلفة، نعمل بالمستطاع على تصحيح المعوج من علاقاتنا بما يرضي ربنا أولا، ثم أن نكسب حب الناس ورضاهم.
علينا أن نكون أمينين في تقييمنا والا نحيد عن جادة الصواب، فكلنا خطاءون وخير الخطاءين التوابون، فلماذا لا نسارع إلى توبة قبل أن ينقضي الأجل ونبتعد عن المعاصي، ونحسن علاقاتنا بمن حولنا ونزرع المحبة بدلا من الكراهية ونغرس اليقين بدلا من الشك.
وكل عام وانتم بخير