قائد الطوفان قائد الطوفان

مجــرد وقــت

رشا فرحات

**أيــــــــــــام

ما هي إلا أيام قليلة، وسيأتي، هكذا قالت جدتي، قبل عشرين عاما، وما زالت ذكرى حقيبته المعلقة فوق أكتافه، تطبع في ذاكرتي، وهو يضع فيها كل ما يملك من رث الثياب، وجدتي في كل عام تقول أيضاً: ما هي إلا أيام وسيعود، وما زالت تقول، وأنا ما زلت انتظر، أتراه ذلك الانتظار الذي أطفأ نور الشمس، فذبلت أجفاني، وتتسلل إلى رأسي بعض من خيوط بيضاء، ترن كالجرس في دماغي، وتشير ساخرة إلى فتيات الحي، وقد سحبت كل منهن وراءها طابوراً من الأولاد، وما عدن يصلحن للعب أمام الباب، كما كن يلعبن معي قبل عشرين عاماً، الّتوت تلك الأسلاك البيضاء فتعقدت في قاع رأسي تؤبني، دون جدوى، وقد احترفت الجلوس أمام البيت، محدقة في ذلك الطريق الطويل، كلما مر طيف من بعيد قلت هذا هو، جدتي ما زالت تقول هي أيام، وسيعود، وأنا مازلت انتظر.

**ســــــــاعات

خرج الطبيب محدقاً في وجوه الواجمين، ساعات فقط، وتمر مرحلة الخطر، نظرت على الوجوه التي تحدق تحت أقدامها، وتعد، وتلك الأرضية البيضاء، والجدران الزرقاء، تزيد ما تزيد من وجع، فتعلو دقات الساعة المعلقة على الحائط الغريب، المشبع بروائح المرض، والموت، وهواء الغرفة يزيد من ذلك الوجل، فتجحظ عيوننا جميعاً نحو تلك البوابة، لعلها تفتح، فيأت خبر يقين، يغمرنا برداً، وسلاماً، وفوقها معلقة تلك الساعة المدورة الضخمة، بأرقام سوداء كبيرة، مخيفة، تجرف عقاربها أرواحنا معها في كل دقة، جلست أنا، أنظر إلى دقات الساعة، وهي ما فتأت تدق ببطء قاتل، وكأنها تهزأ من وقت الانتظار، وأنا في قلبي بقايا رماد قديم، وحطام نار، اشتعلت من جديد، لتبكي راقداً أخر على سرير المرض، ينتظر بضع ساعات أخرى، فيعطى فرصة أخيرة، وأنا أخذ فرصة واحدة لإخماد تلك النار.

**دقــــــــائق

إنها خمس دقائق، وستصدر الصحيفة، وستعرف اسمك، هكذا قال ذلك الرجل الواقف على البوابة قبل أن يغلقها في وجهي، بعد أن أخبرته، أنني انتظر قراءة اسمي في الجريدة، ورجوته أن يسمح لي بالدخول، لأحمل لأمي خبراً يقينا بأني أحد المتفوقين، هو لا يعلم منى الانتظار، ولا يعلم ما معنى أن تكون الأول، ولا يسمع تراتيل أمي التي ترن في أذني منذ الصباح الباكر حتى هذه اللحظة، وقد قاربت أن تحملني موجة من الجنون، فتغرقني قبل أن تصل الفرحة إلى قلب أمي، لقد مرت خمس دقائق أليس كذلك، سألت الشاب الواقف بجانبي، ولمحت بنظرة خاطفة، همسات أم حنون تتموج في حدقتي عينيه الجاحظتين نحو البوابة، وأنا أتشبث بأعمدة البوابة الصدئة، المغلقة بإحكام، فأقفز، والتصق بها أكثر، أراه قادماً، من بعيد، يحمل بيديه الصحيفة، خطوات أخيرة، بطيئة، قاتلة، أراها تتقدم نحوي ببطء، أنادي بنفاذ صبر، أركض يا هذا لماذا تسير هكذا، صرخ في وجهي، بقيت دقيقة واحدة، دقيقة واحدة.

البث المباشر