الجهل بالشريعة والظلم لها خصلة متجذرة في بني الإنسان لا يذهبها إلا نور الوحي قال الله سبحانه (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا). [الأحزاب: 72].
والمتكلمون في قضايا المرأة رجلان: منصف يتكلم بعلم وعدل, ومسرف يتكلم بظلم وجهل.
والظالم الجاهل هل هو أهل أن يتكلم في حقوق المرأة التي اعتبر الشارع الحكيم حقها أمانة عظيمة, وميثاق الارتباط بها ميثاقا غليظا!!. قال الله تعالى (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء: 21]. قال الطبري رحمه الله:"الميثاق الذي عُني به في هذه الآية: هو ما أخذ للمرأة على زوجها عند عُقْدة النكاح من عهدٍ على إمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان، فأقرَّ به الرجل. لأن الله جل ثناؤه بذلك أوصى الرجالَ في نسائهم". تفسير الطبري(8/ 130).
وصدع خير الخلق صلى الله عليه وسلم بحقوق المرأة في مقام من أعظم المقامات في حياته: في حجة الوداع.
قال صلى الله عليه وسلم :"فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.." انظر:صحيح مسلم (2/ 889).
هل من يفتخر بالمغامرات الجنسية, وبالعلاقات الغرامية على حساب دين المرأة وعرضها جدير أن يتكلم على لسان المرأة!!..أم حري به ينادي بحق في حقوقها على شاشات القنوات, أو صفحات الجرائد والمنتديات!!. ألا(أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ),[يوسف: 70].
ولا عجب فإذا كان هناك من يسرق الصلاة كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته» . قالوا: يا رسول الله وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها ".
فهناك سارقوا الأعراض فهل عرفتموهم؟!!.
مشروع الأذى للمؤمنين والمؤمنات في أعراضهم ليس جديدا على سنة الصراع بين الحق والباطل وبين الفضيلة والرذيلة. فقد أوذي الأنبياء في أعراضهم فصبروا. التحذير القرآني جاء في سياقين:
في سياق الخبر: قال تعالى{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58).الأحزاب 57- 58.
وفي سياق الطلب: قال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا) الأحزابُ 69.
ومن يتأمل آيات الأحزاب يلحظ أمرين مهمين:
الأول: الربط بين أذى المنافقين لله ولرسوله, وأذاهم للمؤمنين ولنسائهم في مسألة الحجاب.
فالدعوة لفساد المرأة, والتي يعبر عنها القرآن بلفظ بليغ جامع هو" الأذى", كما في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59], هذا الأذى للمؤمنات هو فرع عن الإيذاء لله ولرسوله وللمؤمنين على أيدي هؤلاء المفسدين, وهذا ما يظهر من خلال الربط بين هذين النوعين من الإيذاء في سياق واحد, والتنصيص على قضية الحجاب وهي المسألة الجوهرية في صراع التغريبيين وأذيتهم للمرأة.
الثاني: الربط بين السنن الشرعية والسنن الكونية في مسألة الحجاب, وذلك يتجلى في بيان حرمة أذية الله ورسوله, والمؤمنين, مرورا بأحكام الحجاب, ثم التعقيب في نفس السياق بذكر السنن الكونية المؤذنة بقطع دابر المفسدين ونهاية مشاريع المرجفين. قال تعالى{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 60 - 62].
علق ابن عاشور رحمه الله على الآية (62) بقوله:"وذيل بجملة (ولن تجد لسنة الله تبديلا) لزيادة تحقيق أن العذاب حائق بالمنافقين وأتباعهم إن لم ينتهوا عما هم فيه وأن الله لا يخالف سنته لأنها مقتضى حكمته وعلمه فلا تجري متعلقاتها إلا على سنن واحد.