قائد الطوفان قائد الطوفان

القيد والمرض.. ازدواجية تفتك بمئات الأسرى

الأسرى المرضى يرْقبون "دواء القسام" !

غزة – الرسالة نت "خاص"

تتفحص بعينين دامعتين صورته المعلقة في بيت أمسى بارداً كئيباً دون حضوره، ثم تتأرجح النظرات إلى صورة أخرى لنجلها الشهيد فتستسلم للعبرات وتخفي وجهها بين كفيْها غارقة في الذكريات ذات الزمن الجميل، بينما يرحل ذهنها إلى غياهب السجون حيث الزوج المغيب بقيد الأسر والمرض.

تلك حال زوجة الأسير نبيل النتشة من مدينة الخليل، الذي يعاني من مرض السرطان، فلم تشفع له الفحوصات الطبية ولا أكوام الأدوية التي وصفت له من قبل الأطباء قبيل اعتقاله، فعدة مرات اختطاف سجلت له في السجون الإسرائيلية والفلسطينية سوية دون أدنى مراعاة لوضعه الصحي، إلى أن توّجت كلها مؤخراً بإعادة اعتقاله على يد الاحتلال تحت ظلال الحكم الإداري المقيت.

وتقول زوجته أم نعيم لـ"الرسالة نت" إن قوات الاحتلال اعتقلت زوجها في شهر أيار الماضي وأخضعته للحكم الإداري دون مبرر وأبقته في سجن عوفر ثم جددت اعتقاله لستة أشهر أخرى دون النظر إلى وضعه الصحي، مبينة أنه يعاني من مرض السرطان القاتل وكان يخضع لجلسات علاجية قبيل اعتقاله.

وتوضح أم نعيم بأن أجهزة السلطة كانت اعتقلت زوجها لعدة أشهر وما كاد يتحرر من سجونها حتى أعاد الاحتلال اختطافه ضمن سياسة الباب الدوار دون تهمة، لافتة إلى أن مرضا جديدا في قلبه تم اكتشافه مؤخرا ويعاني منه كثيراً.

وتضيف:" الاحتلال لا يكترث لوضع الأسرى الصحي، فزوجي يعاني من عدة أمراض ويحتاج لعلاج فوري كي لا تتضاعف حالته، وهو يشكو من آلام في ظل الإهمال الطبي المتعمد من قبل مصلحة السجون".

وتتساءل الزوجة -التي نفذ نجلها باسل عملية استشهادية قبل سنوات في مدينة الخليل- عن دور المؤسسات الحقوقية وهيئة الصليب الأحمر في نجدة الأسرى المرضى، وتطالب بصوت تقطّع بالدموع كل المهتمين بقضية الأسرى أن يكونوا على قدر المسؤولية لأن العائلة ملّت من الانتظار ولا تريد أن يصبح الأسير نبيل كالأسير الشهيد زكريا عيسى.

واقعٌ مر

وفي كل عام تطوى الأحلام والأمنيات على أمل بمستقبل أفضل، لكنّ فلسطين لها وضع خاص يحول دون التعويل على أي آمال في ظل احتلال يرهق حياة أهلها المنقوصة أصلا، فالصرخات لطالما دفنت في مكانها لا تبرح حناجر مطلقيها.

ولعل استشهاد الأسير المحرر زكريا عيسى أسبغ الحزن على مئات العائلات ممن يقبع أبناؤها المرضى في سجون الاحتلال، وهو واقع مرير يعيشه أولئك مع إحصائيات تفيد بوجود 11 منهم يعانون من مرض السرطان القاتل بين ويلات القيد وقهر الإهمال الطبي المتعمد.

وتقول النائب خالدة جرار والناشطة في مؤسسة الضمير الحقوقية لـ"الرسالة نت" إن واقع الأسرى المرضى يلاقي إهمالا متعمدا من قبل إدارة مصلحة السجون، حيث لا توفر لهم الفحوصات والعلاج اللازم وتنتظر إلى أن ينهش المرض جسد الأسير ومن ثم تفرج عنهم تحت مسمى "بادرة إنسانية"!

وتوضح النائب بأن الأسير الشهيد زكريا عيسى يجب أن يسجل ضمن الشهداء الأسرى لأنه أصيب بمرضه داخل السجون الإسرائيلية وتفاقمت حالته بسبب الإهمال الطبي المتعمد، ومن ثم أفرجت عنه سلطات الاحتلال لعلمها أنه سيفارق الحياة قريباً، فهو ضحية القيد والمرض دون أدنى شك وما حصل معه لا يبشر بخير في واقع الأسرى المرضى.

وتضيف:" الاحتلال ارتكب جريمة جديدة بحق الأسرى، وما زال يرتكبها يوميا بمنع العلاج عنهم وحرمانهم من الفحوصات الطبية اللازمة وإذلالهم وابتزازهم للذهاب إلى العيادات الطبية التي لا تشبه العيادات مطلقاً، وهذا الوضع نحن مطلعون عليه كهيئة حقوقية ولكن تعنت الاحتلال لا يحرك ساكنا في هذا الملف".

شهداء مع وقف التنفيذ

معاناة المرض بين الأصفاد الصدئة لا يمكن أن تُنسى، ولا يستطيع إيصالها إلا من تجرع علقم الأسر وجدرانه المثقلة بصمت مقيت، فذاك الأسير المحرر في صفقة وفاء الأحرار فراس أبو شخيدم يروي حكايته مع سجان برع في تجاهل وضعه الصحي.

 ويقول لـ"الرسالة نت" إنه عانى من ضعف شديد في البصر وآلام مبرحة في المعدة ناتجة عن تكوّن كيس كان يجب إزالته على الفور، ولكن مصلحة السجون لم تلق بالا لضرورة نقله إلى المستشفى إلا بعد أشهر طويلة من المعاناة الأمر الذي فاقم مرضه.

ويضيف:" في كل مرة كانوا يعينون لي موعدا كي أقابل ما يسمى بالطبيب جدلاً، ثم يؤجلون اللقاء الذي كنت أنتظره بشده لإنهاء معاناة المرض، وحصل الأمر ثلاث مرات إلى أن قررت أنا عدم الاستجابة لأكاذيبهم ورفضت مقابلة الطبيب لأنهم كانوا يتخذونه ملفا لابتزازي، ولكن الحمد لله أن منّ علي بالفرج رغم أنوفهم".

ولعل مرضى السرطان في السجون هم الأكثر تضررا من سياسات الاحتلال المتعمدة لتعذيبهم، فأولئك أضحوا شهداء مع وقف التنفيذ وسط معاناة يومية مع الآلام القاسية التي تفتك بأجسادهم وتنهش خلاياهم.

وفي هذا السياق أكدت مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان أن أعداد الأسرى المصابين بمرض السرطان في السجون الإسرائيلية وصل إلى 11 يعيشون ظروفا صحية ونفسية في غاية الصعوبة نتيجة الإهمال الطبي المتعمد من قبل إدارة مصلحة السجون.

وذكرت المؤسسة في بيان وصل "الرسالة نت" أن قوات الاحتلال أفرجت عن خمسة أسرى مصابين بالسرطان في الدفعة الأولى من صفقة التبادل بين حركة حماس والحكومة الإسرائيلية، في الوقت الذي لا يزال في سجون الاحتلال 11 آخرين مصابين بالمرض الخطير.

ومن أبرز أولئك الأسير كايد حسن هيرون من مدينة نابلس، والذي يقضي حكما بالسجن 9 سنوات ويعاني من سرطان في المثانة، وفواز بعارة من نابلس الذي يقضي حكما بالسجن 3 مؤبدات ومصاب بغدة سرطانية بالقرب من الأذن، وطارق محمود العاصي من مخيم بلاطة شرق نابلس والذي يقضي حكما بالسجن لعشرين عاما ومصاب بسرطان القولون، وأحمد محمد سمارة من قطاع غزة والذي يقضي حكما بالسجن 8  سنوات ومصاب بسرطان الغدة الدرقية، ووليد وديع أبو لحية من القرارة في قطاع غزة، وحازم خالد مقداد من الشاطئ في غزة والذي يعاني من سرطان الكبد، وعامر محمد بحر من أبو ديس قضاء القدس والمصاب بسرطان في الأمعاء.

وربما لن تستطيع الكلمات إيصال الهمّ الفلسطيني في جزئية تتعلق بالأسرى المرضى، لكن الآمال ما زالت معقودة على سواعد المقاومة، خاصة كتائب القسام، كي تُنهي آلامهم كما فعلت قبل أشهر قليلة، عبر خطف مزيد من الجنود الإسرائيليين لمبادلتهم بهم، ليشكل بذلك أنجع دواء لمرضهم المزمن.

البث المباشر