ياسر الزعاترة
يعكس اتفاق المصالحة (الجديد جداً) في الدوحة بؤس الواقع الفلسطيني في أوضح تجلياته، ولعل نصه على أن يكون الرئيس محمود عباس رئيساً للوزراء هو الأكثر تعبيراً عن هذا البؤس، لاسيما أننا إزاء رجل يقترب حثيثاً من الثمانين ولا تبدو أحواله الصحية مُرضية بحسب الكثير من المصادر، فضلاً عن أنه هو ذاته رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئيس السلطة ورئيس حركة فتح والقائد العام للقوات المسلحة الفلسطينية، ورئيس سائر الفصائل الفلسطينية من الناحية العملية باستثناء حماس والجهاد (أليس من يمول هو من يرأس من الناحية العملية؟!).
والحال أن هذه التوليفة العبقرية بالنص على تعيينه رئيساً للوزراء لا تعني الكثير لجهة تغيير الواقع القائم على الأرض في الضفة الغربية، إذ يتوقع أن يعين سلام فياض "ممثل الانتداب الدولي على فلسطين" وزيراً للمالية، وتبعاً لذلك رئيسا للوزراء من الناحية العملية، لأن الرئيس المعين لا يملك من الوقت ما يكفي لإدارة الشأن الداخلي هو الذي يمضي أكثر وقته خارج الضفة الغربية، في حين يتكفل الجنرال "مايكل مولر" خليفة سيء الصيت "الجنرال دايتون" بملف الأمن مع عدد من الضباط الذين يتبعونه ويتبعون أيضا ضباط الارتباط الصهاينة ضمن توليفة ما يعرف بالتنسيق الأمني.
لم يذهب الفصيلان الكبيران نحو اتفاق المصالحة المشار إليه وهما بكامل لياقتهما بعد مسلسل طويل من الردح المتبادل طوال سنوات، تحديداً منذ الحسم العسكري في قطاع غزة منتصف العام 2007، بل ذهبا إليه وهما يعيشان واقعاً بائساً، ومعهما القضية برمتها رغم وضع عربي ودولي مبشر إلى حد كبير.
تذهب حماس إلى الاتفاق بعدما تحولت منذ الحسم العسكري من حركة مقاومة هدفها تحرير فلسطين، كل فلسطين، إلى حركة لإدارة قطاع غزة وتأمين متطلبات تلك الإدارة مالياً وسياسياً، رغم أن القطاع لا يشكل سوى واحد ونصف في المئة من فلسطين، ولا تعتبره العقلية الصهيونية جزءًا من أرض "إسرائيل"، فيما جرى تغييب الحركة من الضفة الغربية بفعل عملية سحق شاملة شارك فيها الأعداء والأشقاء، من دون أن تؤدي تلك العملية إلى تقليل شعبيتها (هي في الضفة أفضل منها في قطاع غزة تبعاً لكونها المظلومة والمطاردة)، ما يعني أنها تأمل في أن يمنحها الاتفاق فرصة الحصول على فاصل زمني تعيد خلاله ترميم ما تهدم من بنيانها في انتظار مرحلة جديدة من مراحل القضية تبدو آتية لا محالة في ظل الاستخفاف الصهيوني بكل شيء، بما في ذلك تجاهل تداعيات الربيع العربي على القضية الفلسطينية.
في المقابل تذهب فتح، وبتعبير أدق، يذهب قائدها العام إلى المصالحة بعد اصطدام مشروعه التفاوضي بما هو أكثر من الجدار المسدود (رفض وقف الاستيطان لاستئناف المفاوضات)، وتأكد الجميع من أن نتنياهو لن يعرض عليه ما سبق أن عُرض على غريمه الراحل ياسر عرفات في كامب ديفيد عام 2000، بدليل ورقة "إسحق مولخو"، وبدليل رفض أولمرت لمسلسل التنازلات المذهلة التي قدمها له المفاوض الفلسطيني قبل أربع سنوات، ما يعني حاجته (أعني عباس) لشرعية جديدة من قبل الحركة المنافسة التي سبق أن حصدت الغالبية في انتخابات 2006.
من زاوية المصلحة الفلسطينية العليا، فإن الخيار الأمثل (تتمناه حماس من دون شك) هو إعلان فشل المفاوضات والتوافق على إستراتيجية جديدة للمرحلة المقبلة عنوانها انتفاضة شعبية شاملة مع إدارة توافقية للسلطة في الضفة وغزة، لكن قيادة السلطة لا تحبذ هذا الخيار، هي التي بنت برنامجها على تمدد السلطة واستمرار الحفاظ على التزاماتها مع العدو الصهيوني والأطراف الدولية، الأمر الذي يتناقض مع انتفاضة شاملة يمكن أن تقوِّض برنامج البناء والتنمية و"البزنس" والاستثمار المعطوف على استمرار المفاوضات بصرف النظر عن نتيجتها.
من هنا كان الخيار المتاح هو البحث عن توافق جديد عنوانه الأبرز قيادة جديدة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج عبر إعادة تشكيل منظمة التحرير. ولعل أهم ما يميز هذه القيادة هو حضور الشتات البارز فيها، والذي سيحول دون التنازل عن حق العودة للاجئين، وبالتالي إفشال أي تسوية ممكنة مع العدو الصهيوني، وتبعا لذلك استمرار النضال من أجل التحرير الشامل ما دامت الدولة بالمواصفات المعروفة ضربا من الوهم.
إذا انتهى برنامج المصالحة الجديد إلى تشكيل قيادة من هذا النوع، فسيكون في ذلك بعض الخير للقضية، بصرف النظر عن الطريقة التي ستدار من خلالها السلطة في الضفة والقطاع، أما إذا استمرت المماطلة في تنفيذ هذا الاستحقاق، فذلك يعني بقاء الوضع على حاله إلى حين تفجير انتفاضة جديدة تلتحم بأجواء الربيع العربي، ليغدو التنسيق الميداني هو الأهم بعيداً عن لغة المحاصصة على سلطة يتحكم الاحتلال بسائر مفاصلها، مع بعض التميز لتلك الموجودة في غزة، والتي سترتبط أهميتها بمقدار مساهمتها في النضال لتحرير ما تبقى من الأرض المحتلة.
صحيفة الدستور الأردنية