هيثم الصادق
محاولة إغراق قطاع غزة في الظلام بمستشفياتها وبيوتها وشوارعها ليست مجرد جريمة أخلاقية إنسانية تستسيغ العقاب الجماعي الشامل لأهالي القطاع بل هي استهتار بالعرب جميعا الذين يرون بأم أعينهم إخوتهم في العقيدة والقومية تُمارس ضدهم هذه الجريمة النكراء وهم عاجزون عن نصرتهم.. يسمعون أنين المرضى في مستشفيات القطاع وهم يلفظون الأنفاس دون أن يحركوا ساكنا.
التساؤلات تتزايد عن مدى جدوى الجامعة العربية العاجزة عن اتخاذ قرار برفع الحصار وهي التي اعتمدت مشروعا للربط الكهربائي العربي منذ عامين دون إدراج قطاع غزة فيه، وعن مسؤولية العرب الدينية والأخلاقية في المبادرة إلى إنارة القطاع وإنقاذ المرضى وتسهيل حياة الفلسطينيين في القطاع وخاصة بعد الثورة التي أطاحت بالنظام البائد الذي كان شريكا للكيان الصهيوني في حصار غزة.
إذا كان مفهوما أن تخلي سلطة رام الله مسؤوليتها اتجاه إنارة القطاع لسبب استلاب الإرادة والرضوخ لإملاءات الكيان الصهيوني فإن الصمت العربي عن هذه الجريمة الأخلاقية بعد ثورات الربيع العربي وإغلاق العيون عن مسيرة الشموع الطلابية في القطاع لم يعد مستساغا بل هو محاولة للعودة بعقارب الساعة إلى الوراء إلى ما قبل تلك الثورات.
إن هذا التقاعس يشير إلى أن التحرر من التبعية لم ينجز بعد، وإلى أن الآمال الشعبية في أن تستعيد الأمة العربية دورها وأن تفرض نفسها عاملا مؤثرا في أوضاع المنطقة وتفرض على العالم احترام إرادتها الحرة المستقلة ما زالت في نفق مجهول؛ فلو تحققت تلك الآمال لما استهتر الكيان الصهيوني بالعرب جميعا فواصل التهام القدس وأراضي الضفة الغربية وفرض إملاءاته على سلطة رام الله التي رضخت لشروطه بتأجيل إمداد القطاع بالكهرباء، ولسارع العرب إلى إنقاذ القطاع من الجريمة الأخلاقية والعقاب الجماعي القاسي الذي يمارسه الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني هناك لا لشيء سوى لتمسكه بثوابته الوطنية وحقوقه التاريخية وبخيار المقاومة المشروعة للعدوانية الصهيونية المتواصلة ضده.
إن هذه المحاولات الصهيونية التي مبعثها الأساسي الانتقام من القطاع الصامد الذي أفشل كل محاولات الكيان الصهيوني في إذلاله وتدجينه، وتمسك بإباء عال بإرادته التحررية.. تستوجب على العرب جميعا الوقوف إلى جانبه وتعزيز صموده.
أما تقاعس سلطة رام الله عن مسؤوليتها في إنارة القطاع المحاصر رضوخا لضغوط (إسرائيلية) فإنه يضع علامات استفهام كبيرة حول مصداقيتها في تحقيق المصالحة الوطنية وجديتها في تنفيذ اتفاقات القاهرة وإعلان الدوحة.
ولعل الأسباب الحقيقية لهذا العقاب الجماعي اللاأخلاقي هي رغبة نتنياهو بتحقيق مكاسب انتخابية جديدة عبر التصعيد بمختلف أنواعه ضد القطاع، فرغم نجاحه في انتخابات التجمع (الليكود) التمهيدية المبكرة فإن ضعف المشاركة فيها -لم تزد عن 40%- وحصول منافسه فيجلين على 25% من أصوات المشاركين رغم عدم فتح عملية الاقتراع في المستوطنات التي تشكل القاعدة الأقوى لفيجلين... كل هذا أشار إلى حالة أزمة شديدة داخل الليكود يسعى نتنياهو للهروب منها بتصعيد العداء للقطاع، كما إن مؤتمر هرتسليا الصهيوني أبقى احتمالات الحسم العسكري لجميع الملفات مفتوحة.
صحيفة الوطن القطرية