قائمة الموقع

الألعاب الشعبية الفلسطينية .. تعبير عفوي عن التراث

2009-12-21T12:05:00+02:00
الالعاب التراثية الفلسطينية

جرادات : لها أهمية تربوية واجتماعية ونفسية وجسمية

حلس: ألعاب اليوم سلاح ذو حدين لا نستطيع محاربتها جميعا

غزة _ أمل حبيب

بأناملها الصغيرة رسمت خطوطا متوازية ثم تحولت إلى مربعات.. من غير إدراك كاف أو وعي بأهمية ما تفعل تابعت نور الرسم بإصبع "طبشور" بال على أرضية الشارع أمام منزلها وبعدها نادت صديقاتها لمشاركتها اللعب , رغم ما يمثله الموضوع لنور وصديقاتها بأنه تسلية لا أكثر إلا أنهن ساهمن في المحافظة على جزء هام من التراث الفلسطيني وهو الألعاب الشعبية...

"الرسالة" ألقت المزيد من الضوء على هذا الجزء المميز من تراثنا العريق. 

غربة ..ولكن

مازال نافذ رجب 27عاما وأب لطفلة يتذكر أيام طفولته , حيث كان يلعب "القلول" أو "البنانير" مع أبناء الجيران في حي الشجاعية , رجب سبقت البسمة كلماته فقال:" كنت اقضي ساعات طويلة في اللعب ولا أشعر بمرور الوقت إلا أن جوعي هو الذي يعدني للبيت لآكل لقيمات ومن ثم أعاود اللعب " .

بدورها قالت السيدة أم محمود 25عاما  للرسالة :" بالرغم من أنني عشت في غربة بإحدى دول الخليج إلا أن والدي كان يسعى دائما لترسيخ تراثنا الفلسطيني في عقولنا ويشعرنا بأهميته من خلال وسائل عديدة ومنها الألعاب الشعبية مثل "حاكم جلاد " "وغميضة " وغيرها من الألعاب , حتى لا يكون بعدنا عن وطننا قد أنسانا تراثنا وهويتنا ".

" ألا ليت الطفولة تعود يوما " بهذه الكلمات بدأت سلوى صخر طالبة جامعية حديثها للرسالة متمنية أن تعود طفلة, قائلة :" الطفولة أجمل مرحلة في عمري (...) أتمنى أن أعود طفلة لألعب مع بنات عمي وصديقاتي "الحجلة" في الشارع , وناس وناس إضافة إلى تقليد الكبار وعمل مسرحيات فكاهية ".   

توثيق الألعاب بكتاب

 من ناحيته أكد د.إدريس جرادات مدير مركز سنابل للدراسات والتراث الشعبي الفلسطيني بالخليل على أن التراث الشعبي هو هويتنا الوطنية , والعاب التراث هي جزء هام منه , مشيرا بأن ألعاب التراث لا تزال تمارس في مناطق الريف والقرى التي يوجد فيها ساحات ومناطق واسعة بعيدا عن ضوضاء المدينة وازدحام البنيان, بالرغم من طغيان الألعاب الالكترونية والكمبيوتر على الألعاب الشعبية .

وقال جرادات للرسالة :" يعمل مركز سنابل على حفظ وصيانة التراث الفلسطيني من خلال نشاطات مختلفة , منها محاولة جديدة لتوثيق الألعاب الشعبية الفلكلورية , فقمنا بتجميع الألعاب وتحليلها وحفظها بكتاب يحمل اسم (الألعاب الشعبية الفلكلورية في فلسطين ) وتقدمت بدراسة أكاديمية خلال مؤتمر للذاكرة الشفوية  لجامعة القدس المفتوحة فرع رفح بالتعاون مع جمعية الثقافة والفكر الحر عن الدلالة التربوية للألعاب الشعبية ".

أهمية ألعاب التراث

وأوضح جرادات بأن لألعاب التراث أهمية كبيرة من جوانب مختلفة فمنها الأهمية التربوية  والتي تزود الفرد انطباعات جديدة من خلال إحداث تفاعل مع البيئة وإدراك معاني ومفاهيم مختلفة , بالإضافة إلى الأهمية الاجتماعية لها وهي تنمية قواعد السلوك والنظام لدى الأفراد  و أهمية جمالية تكمن في الإحساس الجمالي والمساهمة في الانجاز , مبينا وجود أهمية نفسية وعلاجية وجسمية للألعاب الشعبية الفلسطينية وتكون من خلال التخفيف من الضغوط والتوترات والصراعات وتقلل من حدة المخاوف في حياة الأطفال خاصة في فلسطين , أما الأهمية الجسمية لها فهي تقوي العضلات وتنشط الدورة الدموية وتعلم الفرد مهارات حركية جديدة .

ونوه مدير مركز سنابل الى ان العاب التراث لا تحتاج إلى إمكانات مادية أو أدوات خاصة فلعبة (الحجلة) مثلا تحتاج إلى منطقة أو ساحة وعدد من البنات من 2 إلى 10 وقطعة طبشور لتخطيط المربعات وبلاطة صغيرة  وغالبا تكون من حجارة الكلس , قائلا :" تعلم الحجلة يكون عن طريق الملاحظة والشرح , وهي لعبة خاصة بالإناث , وهناك العاب أخرى خاصة بالصبيان منها (القلول) و(الطائرات الورقية) وغيرها الكثير , ومن الألعاب ما هو مشترك بين النوعين مثل لعبة شفت القمر يقف الطفلان ظهراً بظهر ومتلاصقين ماداً كل منهما كلتا يديه إلى الوراء وبطريقة فنية تشبك الأيدي ليبدأ أي منهما اللعبة بحيث يحني جسمه إلى الأمام نحو الأرض فيكون الثاني قد ارتفع على ظهره وهكذا يكون لكل منهما دور في الانحناء والركوب مع تكرار ذلك مراراً، وفي كل مرة يقول الحامل للمحمول «شفت القمر؟» فيرد عليه المحمول قائلاً «شفته» فيسأله الأول «شو تحته؟» فيجيب الثاني «حمص مقلي» فيقول الأول «طيح عني يا عقلي» فينتهي دور الحامل على هذه الطريقة ليبدأها الثاني مع ترديد كل منهما كما في دوره ما ذكرا سابقاً، وبهذه الطريقة تستمر اللعبة.

أوقات اللعب

وفي معرض رده على سؤال حول وقت الألعاب التراثية وهل تعتبر موسمية , أجاب جرادات:" بعضها موسمي والبعض الآخر تمارس في أي وقت من أيام السنة فمثلا لعبة الطائرات الورقية تمارس في فصل الصيف والربيع , أما لعبة الحجلة فالفصل المناسب لممارستها هو الربيع صباحا أو مساء. "

وتابع :" لعبة قيام جلوس و حاكم جلاد تلعب في أي وقت من فصول السنة ".

وقال جرادات :" إن لعبة الطائرات الورقية لها تحليل هام فهي لعبة تشجع على التفكير والتصنيع وتعمل على الاستفادة من الأدوات غير الضرورية في المنزل ,بالإضافة إلى فائدة جسمية تقوي العضلات وسرعة الجري وتخفف من الضغوط ومعرفة اتجاهات الرياح والتوقيت المناسب لها, مضيفا بأن الطائرات الورقية استخدمت للاحتجاج والتأييد السياسي وذلك بتعليق الأعلام والصور عليها لتأييد فصيل أو رفض الآخر, وتابع :" كان يستخدمها المجاهدون في اجتياح القرى في الضفة كإشارة للقرية المجاورة بتوخي الحذر من توغل قوات الاحتلال لمنطقتهم , وكذلك في أوقات منع التجوال , فلقد ارتبطت الألعاب الشعبية بالواقع الفلسطيني المؤلم ".

ووافقه الرأي الحاج الستيني أبو محمد منية بقوله :" ارتبطت بعض الألعاب الشعبية بالواقع الفلسطيني الذي كنا نعيشه , فلعبة "جيش وعرب" جاءت بعد حروب ونكبات متواصلة عاشها الشعب الفلسطيني بداية بالنكبة والنكسة مرورا بانتفاضة الحجارة وحتى يومنا هذا ".

نظرة تربوية

من جانبه أوضح الأخصائي التربوي د. داود حلس بان معظم العاب التراث هي جماعية ونادر ما يكون هنالك لعبة فردية, فمثلا لعبة "الشريدة " تحتاج إلى فريق للعب , مشيرا إلى أنها تعزز قيم اجتماعية مطلوبة وتساعد على اللعب بروح الفريق الواحد , وحب التعاون والمشاركة .

وقال حلس للرسالة :" الألعاب الشعبية الفلسطينية تعمل على تنمية ذكاء الطفل وتطوير قدراته من خلال التفكير والتحليل فاغلبها له فوائد تربوية عظيمة .

أما عن العاب اليوم من الكترونيات والعاب الفيديو وأفلام كرتون  فقال حلس :" لا نستطيع أن نحارب جميع العاب اليوم الحديثة , فهي سلاح ذو حدين فمنها المفيد ومنها الضار فمثلا اغلب برامج التدريس للأطفال تكون عبارة عن العاب كرتون تربوية تغرس القيم والأخلاق الحميدة ومنها ما يساعد على تنمية التفكير ويعالج حالات ضعف السمع " وأضاف :" بعضها الآخر يؤذي الطفل ويعوده على الكسل والخمول وعدم التفاعل مع المجتمع" .

مصروفي لألعاب الكمبيوتر

الطفل أنور 8 سنوات بعد انتهاء دوامه المدرسي يرمي حقيبته أمام البيت ويذهب إلى إحدى محال العاب الكمبيوتر في منطقتهم , ويقضي ساعات طويلة في اللعب أمام شاشة الكمبيوتر , وقال :" مصروفي اليومي أخصصه لألعاب الكمبيوتر فهي جميلة جدا , وأحب لعبة المغامرات وسباق السيارات وأنا دائما الفائز فيها ".  

ويرى حلس أن الوعي لدى الأهالي بأهمية انتقاء الألعاب المناسبة لأطفالهم أمر ضروري جدا  و الإشراف عليها حتى ينمي قدراتهم ولا تؤذيهم , منوها إلى ضرورة تعليم الأطفال بعضا من الألعاب الشعبية القديمة لأنها تساعد على الحركة والنشاط وحب الاستطلاع بالإضافة إلى أنها تنمي مداركه وتجعل الطفل سريع البديهة .

أطفالنا حافظوا على تراثنا الأصيل بطريقتهم الخاصة ..فلنحافظ معهم على ما تبقى من هويتنا الفلسطينية , وان لم ننجز مثلهم , فلنشجعهم على المواصلة وعدم النسيان ولتدفن مقولة جولدا مائير "الكبار يموتون .. والصغار ينسون" .

 

    

 

اخبار ذات صلة