نواف الزرو
اعتبرت مصادر فلسطينية ومصرية أن التهدئة الأخيرة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال, تتميز عن سابقاتها العديدة, بأنها "تلزم إسرائيل بوقف الاغتيالات" و"هذا انتصار فلسطيني", بينما نفت مصادر إسرائيلية مثل هذا الالتزام, والأرجح أن النفي الإسرائيلي هو الأدق, ليس لان المصادر الفلسطينية والمصرية "تفبرك" الأمر, فقد تكون "إسرائيل" سربت مثلاً موقفاً كهذا, غير أنها في الصميم والجوهر تكذب وتخادع, ولأنها اعتمدت سياسة الاغتيالات -تاريخياً- كإحدى أهم مرتكزات استراتيجياتها الحربية ضد الفلسطينيين والعرب ولا يمكنها أن تنسلخ عن جلدها, بل إن تاريخ هذه السياسة جزء لا يتجزأ من عقليتهم ومن وجود الكيان, ويعود إلى ما قبل إقامة ذلك الكيان عام 48، حيث نظر وخطط وأدلى وسوغ كبار المفكرين والمنظرين الصهاينة للإرهاب الدموي والتدميري ضد الشعب الفلسطيني, وكانت سياسة الاغتيالات في صلب استراتيجيتهم الإرهابية.
وعن امتدادات وعمق العقلية والمنهجية الاغتيالية, نستحضر ما كان كتبه -وكتبنا فيه مرات عديدة, ونستحضره هنا للتذكير- المحلل الاستراتيجي زئيف شيف في صحيفة "هآرتس" 5/6/2006 تحت عنوان "الاغتيال الموضعي الأول" كاشفا امتدادات وجذور سياسة الاغتيالات:
"في 27/12/1947، بعد شهر من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإقامة دولتين, يهودية وعربية, وقبل أن تتحول التصادمات الدموية بين الشعبين إلى حرب -حرب استقلال إسرائيل- أصدرت منظمة "الهاغاناه" أمراً عملياتياً أطلق عليه لقب "زرزير", ويمكن رؤية هذا الأمر كخطة عملياتية أولى لما سيطلق عليها بعد عشرات السنوات "الاغتيال الموضعي", ويضيف: "في الواقع كان اغتيال العرب يحصل منذ بداية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني, إلا أن أمر "زرزير" كان مختلفاً, ففي المرة الأولى جرى التخطيط لحملة لـ"اغتيالات موضعية", مع قواعد تنفيذية, ولذلك فإن الاغتيال الموضعي ليس كما يسود الاعتقاد بأنه نتيجة الانتفاضات أو العمليات الانتحارية, وكان أمر تنفيذ "زرزير" يبدأ بالكلمات التالية:" صدر إليك الأمر بالقضاء على الأشخاص التالية أسماؤهم بدون الحاجة إلى مصادقة أخرى", وكانت قائمة "المرشحين" للاغتيال طويلة, وتدل على النوايا السياسية الاستراتيجية للهاغاناه عشية حرب الاستقلال".
ويوضح شيف: "في القائمة الأصلية للمرشحين للاغتيال كان 23 قائداً وضابطاً عربياً من كافة أرجاء البلاد, والمجموعة الأكبر كانت في منطقة القدس, أما المجموعة الثانية فكانت من مدينة يافا, وكان بعضهم مثل إميل غوري, قادة سياسيين, في حين برز آخرون كقادة عسكريين, مثل حسن سلامة وعبد القادر الحسيني, اللذين قتلا في نهاية الأمر أثناء المعارك مع إسرائيل".
ويوضح شيف: "أن وسائل الاغتيال كانت بدائية, أما إطلاق صواريخ وتفعيل مروحيات وطائرات بدون طيار فلم تكن تظهر حتى في أحلام المنفذين, وفي منتصف سنوات الخمسينيات عادت إسرائيل إلى "الاغتيالات الموضعية" لكن بحجم صغير, وقد تم توجيه الجهد كله ضد رجال المخابرات والملحقين المصريين الذين عملوا في تنظيم الخلايا العربية بهدف قتل إسرائيليين. هذه القضية انتهت مع حملة سيناء".
وفي التطبيق العملي لأمر زرزير منذ البدايات, نفذت عملية اغتيال الكونت برنادوت يوم 17/9/1948 بسبب مقترحاته السياسية التي دعت إلى إعادة اللاجئين الفلسطينيين, وقد نفذ عملية الاغتيال آنذاك حركة شتيرن الإرهابية التي تزعمها اسحق شامير, بل وكشف روي يعقوب أهروني- 79- سنة أحد مسؤولي منظمة "الاتسل" اليهودية بعد ستين عاماً النقاب عن: "صفقة عقدت بين بريطانيا والاتسل عام 1941 لاغتيال الحاج أمين الحسيني", بينما كشفت وثائق بريطانية, أن عناصر المنظمة الإرهابية الصهيونية "ليحي" كانوا خططوا لاغتيال رئيس الحكومة البريطانية ونستون تشرتشل في منتصف سنوات الأربعينيات من القرن الماضي, ونقلت "يديعوت أحرونوت -05/04/2011 - " النبأ مشيرة إلى أن عناصر "ليحي" ينفون صحة هذه الادعاءات, بيد أنهم لم ينفوا محاولات اغتيال ضباط بريطانيين وشرطة, أو وضع وزير الخارجية البريطانية في حينه كهدف للاغتيال", وقالت عضو الكنيست سابقا والناشطة في "ليحي" غيئولا كوهين "إنها لا تعرف بمخطط اغتيال تشرتشل أو وزراء آخرين في حكومته, وإنها تعرف مباشرة من يتسحاك شمير نفسه أن المفوض البريطاني السامي للشرق الأوسط كان ضمن الأهداف وقد تم اغتياله, في حين لم تنجح عملية اغتيال اللورد هارولد مكمايكل", ونقلت "يديعوت أحرونوت"عن يائير شطيرن, مؤسس "ليحي" قوله إنه لا يوجد لديه معلومات أو توثيق بشأن النية في اغتيال تشرتشل", بينما أكد" أن وزير الخارجية أرنست بوين كان هدفا مفضلا, وأنه وصف بأنه "لا سامي".
إذا, هي سياسة ومنهجية صهيونية عريقة راسخة تشكل مرتكزا رئيسيا في حروبهم المفتوحة ضد الفلسطينيين والعرب, لنصبح بالتالي أمام مشهد إرهابي إسرائيلي واضح المعالم والخطوط والأهداف, وأمام سياسة اغتيالات إسرائيلية رسمية ومشرعة من قبل أعلى المستويات السياسية والقضائية والأمنية الإسرائيلية, ولتتبلور سياسة "إطلاق الرصاص باتجاه عناوين فلسطينية محددة", ولتغدو "القيادات الفلسطينية -والعربية-كلها عدواً في دائرة التصويب والقنص" .
ولنوثق في الخلاصة المكثفة إننا عملياً أمام دولة اغتيالات تقوم باغتيالاتها بشكل منهجي ومبرمج...!
فهذه هي الطبيعة الصهيونية منذ نشأتها....!.
فالدولة الصهيونية قامت على الحراب والحروب...!.
فلا يتوقعن احد بان تخرج تلك الدولة من جلدها, وان تلتزم فعلا بوقف اغتيالاتها....?!