غزة - محمد بلّور- الرسالة نت
جفت الشفاه وبردت الأوصال و"قرقرت" المعدة ولزم المضربون الأسرّة و"الأبراش" , بعد الآن لن يفور القدر وسيصمت المذياع والتلفاز! .
حتى ذرّات الملح وقطرات الحليب لن تسبح في عروقهم فقرارهم هذه المرة من الدرجة الأخيرة غير قابل للرد أو النقاش.
منذ شهور وهم يتهيّئون لهذه الساعة والآن جاء موعد الوفاء ! , همّهم هذه المرة تحرير المعزولين من الصناديق الإسمنتية القذرة وإعادة الوجوه الزائرة من خلف الشبك لأسرى غزة .
يريدون تبديد الحكم الإداري لغير رجعة وانتزاع مزيد من المعاملة الآدمية بقليل من العلاج والتعليم دون أن يجبرهم السجّان على التفتيش العاري .
قرار حاسم
يحبسون أنفاسهم ويقلّصون نشاطهم للحد الأدنى استعداداً لقابل الأيام التي قد تطول ولا تخلو من عدوان السجّانين وبطشهم.
بعد مخاض طويل يرى قرار الإضراب عن الطعام النور بإجماع قادة الحركة الأسيرة في السجون عقب مرحلة عصيبة من حياة الأسرى.
من خبرته الطويلة في قيادة الحركة الأسيرة " أمضى 22 سنة أسيراً" حتى أصبح اليوم رئيساً لرابطة الأسرى والمحررين يرى المحرر توفيق أبو نعيم أن الروح المعنوية للأسرى منذ أيام مرتفعة للغاية.
وتوقع أن يكلل الإضراب الحالي بالنجاح خاصةً أن الأسرى يؤكدون عبر كل اتصالاتهم أنهم ماضون دون تردد لإنهاء ملف العزل وإعادة الزيارة وبقية مطالبهم .
أما الأسير عامر أبو سرحان الذي أمضى 21 سنة في سجون الاحتلال وخاض سبعة إضرابات عن الطعام فقال إن الأسير يلجأ للإضراب بعد انسداد كافة السبل أمامه .
وأضاف:" تبدأ قيادة الأسرى بطرح بيانات تعبوية وإرشادات لرفع الروح المعنوية والحث على الصمود" .
وأشار أن محرري صفقة وفاء الأحرار وبقية الأسرى كانوا يحضرون للإضراب منذ سنتين مرجحاً نجاح الإضراب الحالي لما يحمل من دعم خارجي ومعنويات المضربين أنفسهم.
أما الأسير المحرر خميس عقل الذي أمضى 20 سنة في سجون الاحتلال فينقل مشهداً من مشاهد الساعة الأولى للإضراب حين يلقي الأسرى بكافة الطعام خارج حجراتهم .
وأضاف: "خضت الإضراب 3 مرات وكنا في الساعة الأولى نخرج كل شيء ولا يبقى سوى الملابس ثم يأتي السجانون ويصادرون كافة الأجهزة الكهربائية".
يوميات المضربين
تدور الحياة بإيقاع مختلف داخل حجرات الأسرى المضربين عن الطعام بعدما يخلو اليوم من كافة أشكال الحياة "طعام-شراب-حركة".
يكف الأسرى عن الحركة للحد الأدنى فيقضون معظم نهارهم ممددين لا يتحركون وإن قاموا يقومون ببطء ويسندون أيديهم للجدار لتقليل الجهد .
ورغم انشغالهم بقراءة القرآن والتسبيح إلا أن الكثيرين منهم يصلون السنن وهم جلوس أيضاً توفيراً للطاقة .
ويصاب الأسرى في نهار الإضراب بآلام في المعدة والبطن وصداع في الرأس وعجز عن النوم ليلاً يستعينون على تحملها ببعض الأناشيد الجهادية وتذوق حلاوة الصمود ونشوة الانتصار الوشيك كما يتمنون .
واعتاد الأسرى أن يضربوا عن تناول كل أنواع الطعام والشراب باستثناء قليل من الماء والملح وكوب حليب أو حساء لكنهم هذه المرة سيرفضون تناول كل شيء.
وقال المحرر عقل إن إدارة السجن تقلّص فترة الاستراحة "الفورة" من ثلاث ساعات إلى أقل من ساعة .
ويخترق النهار سلسلة تفتيشات استفزازية تقلب حجرات الأسرى رأساً على عقب بقصد إرهاق المضربين .
وتابع: "يخلطون كل الملابس ثم يغادرون ويعاودون الكرة ثم ينقلوا الأسرى من حجرة لأخرى ومن سجن لآخر لإرهاقهم".
أما المحرر أبو سرحان فيذكر كيف كانت إدارة السجون في إضراب سنة 2004 يشنون هجمات عنيفة ومتكررة يضربون فيها الأسرى .
كما قال إن إضراب سنة 2000 كان صعباً للغاية حيث انتقم الاحتلال من الأسرى المضربين بعد انسحابه من جنوب لبنان .
وأضاف: "لا أنسى كيف استمروا في عملية شواء اللحوم لإثارة شهية الأسرى والتأثير على إضرابهم كما كانوا يفتحون صوت موسيقى صاخبة".
وحول طهي الطعام واللحوم بجوار الأسرى قال المحرر عقل إن الأسرى المضربين كانوا يواجهون بذلك بالتهكم على السجانين والإدارة.
وتابع:" كنا طوال الوقت نقول وفرتم علينا كل ما في نفسنا –يضحك- نقول مثلاً مالها الفاصوليا التي كنتم لا تحبونها...!! " .
يكون ليل السجن مختلف عن بقية ليالي الأسر فيمضي الأسرى فترات أطول في النوم ويتسامرون قليلاً متحدثين عن حياتهم .
تظل معدة الأسير تقرقر ويسمع الأسرى صوت معدة كل واحد منهم فيضحكون ويشيرون لها بالقول لعلك تشتهين الآن القهوة أو الماء !!
تضامن مستمر
يشدّ الأسرى المضربين عن الطعام أحزمتهم ويربطوا على بطونهم بمعنويات مرتفعة حين يسمعون بحالة التضامن الخارجي والتفاعل الشعبي والإعلامي مع إضرابهم .
وأكد المحرر عقل أن إدارة السجون بعد مضي أكثر من أسبوعين تبدأ في الجنوح للتفاهم مع الأسرى لفك الإضراب .
عن ذلك يضيف: "المهم أن يستمروا في الصمود ولا تتدخل أطراف خارجية لفك الإضراب كما حدث سنة 2004 " .
وتحمل أجهزة الراديو المهرّبة قيمة كبيرة يتواصل فيها الأسرى مع العالم الخارجي لمعرفة ما يدور في الخارج ويقال عنهم .
عن أهمية الراديو يضيف عقل: "تحدث تفتيشات متكررة لكن الأسرى يحاولون تهريب الراديو فإذا فقدوه انقطعوا عن العالم الخارجي وهم يتابعون كل ما يقال في الراديو" .
قلق واشتياق
يمتزج القلق النفسي بالتضامن المعنوي في منزل القيادي الأسير عبّاس السيّد حين تتقاسمه زوجته "أم عبد الله" وطفلاه "مودة وعبد الله"
في الليلة الماضية اجتهدت زوجة السيّد لمعاونة عبد الله 12 سنة لكتابة كلمة ألقاها صباح اليوم في الإذاعة المدرسية .
ووجه عبد الله كلمة لوالده قال فيها: "أعلم يا بابا أن هذا السجن يضمّ أعز الناس علي وأقول يا بابا إلك الله وأنا روحي معك وروحي مسجونة معك" .
ونقلت الأم حالة القلق التي تعيشها مودة 14 سنة وعبد الله 12 سنة على والدهما الأسير عباس الذي تعرض مؤخرا لمحاولة اغتيال وأصر على خوض الإضراب رغم تدهور صحته.
وأضافت: "أقول لعباس أستودعك الله فقد عهدناك في المواقف الصعبة صابراً , نحن بعيدون عنك لكن قلوبنا تدعو لك وربنا يحفظك" .
أما الأسيرة المحررة غفران زامل خطيبة الأسير المعزول حسن سلامة فأكدت أن إدارة السجن رفضت قبل يومين زيارة المحامي لحسن في عزل ريمون حيث يقبع هو والأسير أحمد سعدات وجهاد أبو غلمة ومحمود عيسى .
وأضافت: "سيكون هذا الإضراب حاسماً ومهماً لإنهاء معاناة حسن وإخوانه لأن كل الفصائل مشاركة فيه كما أن سقف مطالبهم مرتفع وأدناه إنهاء العزل".
ويطالب الأسرى المضربين عن الطعام بمزيد من فعاليات التضامن بينما يلفت المحررون إلى أهمية ونجاعة صور التضامن التي تصل أخبارها للمضرب عن الطعام فتقوي عزيمته .
ويبدو رئيس رابطة الأسرى والمحررين توفيق أبو نعيم متفائلاً بنتائج إيجابية للإضراب قريبا معللاً ذلك بكثافة الفعاليات التضامنية وجهود المحررين المبعدين خارج فلسطين المحتلة.
ويحتاج الأسرى المضربون عن الطعام لعاملين مهمين الأول الصبر والثبات والإمساك على الجرح النازف في معركة الأمعاء الخاوية والثاني ألا يبخل العالم الخارجي عليهم بتضامن حقيقي متصاعد كل يوم.