قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: الكنز المهدور

مؤمن بسيسو

الصداقة ثروة استراتيجية وكنز لا يفنى.

تلك حقيقة لا يماري فيها أحد ولا ينتطح فيها عنزان كما يقولون.

لكن الصداقة الحقّة المجبولة بالصدق والإخلاص شيء، والصداقة الزائفة المجبولة بالخداع والتضليل شيء آخر تماما.

يقولون إن الخلّ الوفيّ من إحدى عجائب الدنيا السبع. ربما تختلف وجهات النظر حول هذه المقولة بين مؤيد ومعارض، لكن أحدا لا يملك التشكيك في أن الصداقة باتت عملة نادرة هذه الأيام، وأنها تقترن غالبا بترف القول والسلوك بعيدا عن موجبات التضحية والوفاء التي تشكل عمودها الأساس وركنها الركين.

بين نموذجين للصداقة يُراوح هذا المقال، نموذج الصديق الوفيّ المخلص المصداق الذي تستمر صداقته ويدوم ميثاقه إلى الأبد، ونموذج الصديق الزائف الهش الذي يبيعك مع أول منعطف ويتخلى عنك مع أول اختبار، وتتساقط أوراقه كما أوراق الخريف التي تذروها الرياح هنا وهناك على غير هدى أو كتاب منير.

إلى النموذج الأول: دام فضلك وطاب ذكرك وحسُن مسعاك وعلا شأنك، فأنت لا زلت على العهد، ولم تغيرك الأيام والسنون، ولم تخدش فيك المحن والأنواء والتجارب ولاءك وانتماءك ووعدك وميثاقك الغليظ الذي واثقت به وتعاهدت عليه حتى النهاية.  

الحياة بصحبتك جنة، والبعد عنك نار، والبقاء إلى جوارك كسب وفائدة، والعيش معك منتهى الأمل وغاية المنى.

صحبتك تدوم، وصداقتك تبقى، وتجذّرك في سويداء القلب يمنحه الحياة والأمل والبِشْر والاستقرار.

أما النموذج الثاني: فماذا دهاك؟! ما الذي غيّر حالك، وأضعف مقدارك، وأفرغ قلبك من القيم والعهود ومواثيق الوداد والإخلاص والوفاء؟!

المصلحة أضحت قبلتك، وانعدام الوفاء بات عنوانك، ولم تعد تأبه لشعور غيرك، وكأنك استبدلت قلبك بصخرة صماء لا تعرف للرحمة أو الإنسانية طريقا، بل إن الصخر قد يكون ألطف سلوكا وأليَن حالا.

غيّرتك الدنيا. ربما، فالدنيا غرور ولا عجب، لكن الأكيد أن جدار قلبك كان مثلوما منذ البداية، وأن مكنونات قلبك قد كساها التشوّه مع الخطْوِ الأول، وأن امتطاءك صهوة الوداد في مرحلة ما كان أشبه ما يكون بالشعارات فارغة المحتوى التي يتلذذ بها الساسة في حضرة الجماهير الغافلة التي تكتشف مدى استغباءها ولكن بعد فوات الأوان.

انتظرناك طويلا فلم تأت. راهنا عليك كثيرا لكننا أخيرا خسرنا الرهان. اليوم تغيرت المعادلة وتبدلت المعايير. ذهابك أضحى مكسبا، وبقاؤك لم يعد مغنما، ولا حيلة لك في امتلاك ناصية قلوبنا بعد اليوم.

ماذا تنتظر بعد أن أغلقتَ الأبواب وأحرقت القلوب وأدميت الأفئدة وأدرت ظهرك منْ بعْد لكل ذكرى جميلة وشعور مخلص بعيدا عن أي أثارة من إنسانية أو ضمير؟!

إرحل، فقد خنت الأمانة ولم يعد لك في سويداء القلب موقع ولا مكان. إرحل، فاليوم ليس كالأمس، وعقارب الساعة لن تعود إلى الوراء.

قال أحد الحكماء ناصحا: أربعة أشياء في حياتك لا تكسرها: (الثقة، والصداقة، والوعود، والقلوب) لأنها حين تنكسر لا تُصدر صوتا لكنها تُحدث الكثير من الألم ويصعب جبرها مرة أخرى، فحافظ عليها جميعا.

البث المباشر