الحصار يبخر أحلام المعاقين بتركيب أطراف صناعية

أطراف صناعية
أطراف صناعية

غزة / ديانا طبيل

قد تبدو أحلامهم غير متوقعة لمن لم يخض تجربتهم المريرة، فكل ما يتمناه من بترت أطرافه أن يسير على قدميه أو يستعمل يديه كأقرانه.

إلا أن هؤلاء المعاقين حركياً من ضحايا العدوان في الحرب الأخيرة على غزة يكاد يكون تحقيق أحلامهم مستحيلاً ، رغم أنهم يبوحون بها بشكل يومي إلى وسائل الإعلام المختلفة والمؤسسات الدولية والأهلية العاملة داخل قطاع غزة .

الحصار خنق هذه الأحلام وأحال حياة هؤلاء الضحايا إلى جحيم متواصل يلتهم آمالهم في مواصلة دروب حياتهم.

** تغيير واقعي

إياد أبو هربيد " 33 عاما " أحد المواطنين الآمنين فقد قدميه في الحرب العدوانية على غزة، قال للرسالة: رغم مرور عام على انتهاء الحرب،  إلا أنى لا زالت احلم في السفر إلى الخارج لتلقي العلاج وتركيب أطراف صناعية تمكنني من متابعة حياتي مرة أخرى كغيري من البشر وان أرافق أطفالي إلى حيث يشاءون الذهاب .

وأضاف: من الصعب جدا أن يتخيل الإنسان نفسه وهو لا يملك ما يملكه الآخرون ، ومن الصعب جداً أن تشعر بالعجز بعد أن كنت قادراً ، لكنني أحمد الله على هذا المصاب.

وعبر أبو هربيد عن أمه في تغيير واقعه وقال: رغم تأقلمي على الوضع الذي باتت حياتي عليه ، إلا أنى أتمنى أن أعود للسير مجدداً دون الاعتماد على الأدوات أو على الآخرين ، معرباً عن أمله في الحصول على  فرصة تمكنه من العلاج بالخارج .

الأحلام ذاتها تراود علاء أبو هنا " 18 عاما " والذي فقد إحدى ساقيه جراء قصف استهدف المسجد المجاور لمنزل عائلته قال: " فقدت ساقي اليمنى بالحرب ومنذ ذلك الوقت وأنا استخدم عكازا لمتابعة حياتي اليومية خاصة للذهاب إلى المدرسة .

وأضاف: أقسى شعور قد تعيشه جراء تعرضك لإصابة صعبة أفقدتك أحد أطرافك مشاعر الشفقة من الآخرين والتي تصلك مع كل نظرة يوجهها لك الأهل أو الأصدقاء أو الغرباء أثناء سيرك بالشارع.

وتابع: لذلك أحلم و بشكل يومي بتركيب طرف صناعي ، و أعرف مسبقاً أنه مجرد طرف معدني لا يمكن أن يقوم بعمل الطرف الطبيعي ، إلى اننى أتمنى الحصول تركيبه للتخلص من نظرات الشفقة .

وعن الأحلام التي اضطر علاء التنازل عنها جراء إصابته قال: كنت أحلم في أن أصبح لاعب كرة مشهورا لا سيما وأنني لاعب جيد في فريق الحي.

** يد جديدة

سمية أبو هاشم " 40 عاما " فقدت يدها اليمنى أثناء قصف قوات الاحتلال لمنطقة العاطرة غربي بيت لاهيا.

وقالت للرسالة: فقداني ليدي يعني أنني أصحبت نصف امرأة في كل شيء ، فلم يعد بإمكاني القيام بأعمال المنزل كالطبخ والعجن كما السابق ، لم يعد بامكاني أداء كافة أمور حياتي دون مساعدة من احد، لم يعد بامكانى أن أضم أطفالي إلى صدري بكلتا يدي.

وأضافت: أن تفقد شيئا من جسدك قمة المعاناة التي يمكن أن نتخيلها ، ومصيبة تلازمك طيلة الحياة لا تنساها أبداً وكيف تنساها و أنت تشعر بحركة الايدي من حولك ، معبرة عن أملها في تتمكن من الحصول على فرصة سفر إلى إحدى الدول المجاورة لتركيب طرف صناعي.

وأكملت: ربما يشعرني ذلك مجدداً بأني امرأة شبه عادية أو ربما يمكنني أن أضم اطفالي بكلتا يدي مجدداً .

أما الطفل رأفت أبو درابى " 11 عاما " فقد بترت كفه جراء الشظايا المتطايرة أثناء مروره بجوار أحد مقرات الشرطة عند عودته من المدرسة من منطقة تل الذهب شمالي بيت لاهيا.

يحلم أبو درابي بالسفر إلى أحدى الدول المتطورة لتركيب " يد جديدة " على حد تعبيره ، تمكنه من المشاركة في جميع الألعاب التي يمارسها أصدقائه بالمدرسة ، و تعيد ليديه قوتها في الكتابة والرسم وجمع الخضار مع والده من المزارع المحاذية لبيته .

وقال والده أن رأفت رغم مرور قرابة العام على إصابته لم يتمكن من الاعتماد على يده اليسرى والتأقلم مع وضعه الجديد ، خاصة بعدما سمع عن عمليات زرع الأطراف.

وأضاف: أدرك تماماً أن فقدانه ليديه أفقده الكثير كطفل بل أنه الآن بحاجة إلى علاج نفسي دائم ، لاسيما انه يقتصر في حديثه على تذكر أيام كان يمتلك فيها يدا و يتحسر على هذه الأيام التي يرى فيها عجزه في كل لحظة .

** حلم وحيد

وعلى المنوال ذاته أوقف رافع " 27 عاما " من شمال غزة حياته وأحلامه عند اللحظة التي أصيب فيها في قدميه ، مما أدى إلى بترهما جراء الشظايا التي تناثرت في كل بقعة من جسده ، إلا انه حلمه بتركيب أطراف صناعية هو الوحيد الذي لم يتوقف.

فمع مطلع كل صباح يعيد رافع على ذويه حلماً وردياً رآه وهو نائم تدور تفاصيله عن تركيبه لإطراف صناعية .

رافع ، وإياد ، وعلاء ، و رأفت ، و سمية،  ليسوا الوحيدين الذين اختطفت الحرب الغاشمة  بعضا من أجزائهم بل انه وبحسب إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية فان 14 % من عدد الجرحى البالغ 5336 هم من مبتوري الأطراف الأغلبية العظمى منهم لم يتمكنوا من تركيب أطراف صناعية  ومازال حلمهم يبارح  مكانه رغم مرور عام من الحرب.

من جانبه أكد حازم الشوا مدير مركز الأطراف الصناعية بغزة أنه جرى تسجيل 200 حالة من مصابي الحرب، 15% منهم مصابين ببتر مزدوج وثلاثي.

وأشار الشوا إلى أن 176 حالة استطاعت تركيب أطراف صناعية، وبقي آخرون على قائمة الانتظار.

وقال: "عقدنا اتفاقيات متعددة مع الصليب الأحمر ومؤسسة معاقو فرنسا وكذلك مع النرويج وغيرها من المؤسسات، لتغطية نفقات الأطراف".

وأضاف: سعينا للتعاقد مع المنظمات الدولية من أجل مساعدة المصابين، وجميعهم ابدوا استعدادهم دون تحفظ، وأنجز ما أنجز".

فهل يمكن لأحلام باقي الأطفال والرجال الذين فقدوا أطرافهم أن تتحقق بعد هذه الوعود؟

 

البث المباشر