ما الذي يعنينا كفلسطينيين من إحياء ذكرى النكبة واجترار الآلام واستحضار المأساة التي سلخت فلسطين عن خاصرة الأمة عام 1948م؟!
لم يزل الجهد الفلسطيني العام في إطار معالجة آثار النكبة طيلة العقود الماضية يتنازعه محوران أساسيان يجملان الرد الفلسطيني على النكبة، ويبلوران المقاربات الوطنية المختلفة المقترنة بها.
المحور الأول يعنى بمحور الوعي، ويحاول دوما بث الوعي الممزوج بالأمل في حتمية النصر والعودة عبر استخدام مختلف الوسائل والإمكانيات المتاحة، فيما يعنى المحور الآخر بالعمل أو المبادرات العملية التي تجعل قضية اللاجئين -كونها أخطر إفرازات وتجليات النكبة- القضية الأولى فلسطينيا، وتمنحها من الاهتمام والمتابعة حدها اللائق وقيمتها المطلوبة.
يبدو التقييم الخاص بالنشاط المتعلق بمحور الوعي جيدا نسبيا، إلا أن المحور العملي يعاني فقرا خطيرا ويكاد يكون منسيا في زحمة الظروف الحساسة والتحديات الصعبة والمستجدات المتلاحقة التي واجهتها القضية الفلسطينية منذ فاجعة النكبة وحتى اليوم.
قد يقال بأن بث الوعي والأمل في النفوس عمل دائم ومستمر بحد ذاته، وهذا صحيح إجمالا، لكنه لا يشكل سوى الحد الأدنى المطلوب لإبقاء قضية اللاجئين وحقهم في العودة حية في عقول وصدور الفلسطينيين.
الاستجابة الفلسطينية العملية إزاء قضية اللاجئين تقترن غالبا بالإحياء التقليدي لذكرى النكبة كل عام، وتقتصر على فعاليات محدودة بعضها خطابي شعاراتي مكرور دون أن ترقى إلى مستوى حجم وخطورة القضية التي تشكل لب وجوهر القضية الفلسطينية.
قد يتساءل متسائل معبرا عن مساحة واسعة من المشهد الوطني العام: وما الذي يمكننا فعله لتفعيل قضية اللاجئين والانتصار لحق العودة أكثر مما نقوم به من برامج وفعاليات؟
والإجابة بسيطة للغاية، ولن نبتعد كثيرا، فلينظر الجميع إلى إضراب الأسرى الذي حقق معظم أهدافه، فما كان ذلك ليتأتى لولا الضغطين: الداخلي والخارجي اللذين فعلا فعلهما وعملا عملهما متأسسا على أرضية صمود وتضحيات الأسرى.
أثبت إضراب الأسرى أن الاقتصار على العمل الداخلي لنصرة قضيتهم لا يحقق النتائج المرجوة، كما إن الاقتصار على العمل الخارجي بمعزل عن العمل الداخلي يبقى ناقصا وفاقدا لحرارة الدفع والتفعيل.
لن نبلغ حد نصرة قضية اللاجئين ما لم نجترح آليات ووسائل الضغط الداخلي والخارجي، ونضع القضية على طاولة العالم بأسره وفق خطة واضحة ورؤية محددة يسندها ضغط فلسطيني داخلي مكثف يتعامل مع القضية بمنطق الضرورة الدائمة لا بمنطق المرحلية العابرة والعمل الموسمي.
الأمر ليس ميسورا رغم ما يتحصل عليه من أشكال الإجماع الوطني، فهذه المهمة الجليلة والملحة لا تُقلع إلا على أنقاض الانقسام، ولا يُفلح معها سوى العمل الوطني الموحد القادر على استثمار كل موارد القوة ومكامن الضغط المطلوبة داخليا وخارجيا.
ليس في استمرار الانقسام أي خير، ومخطئ من ظنّ أن للانقسام وجاهة أو دينا، ويقينا فإن المصالحة تشكل المدخل السليم للانتقال إلى تفعيل الملفات الوطنية الكبرى وعلى رأسها قضية اللاجئين.