أيا كان المرشح الذي سيعتلي كرسي الرئاسة في مصر خلال السنوات الأربع القادمة، فإنه قد يحتاج -كما قال الكاتب والمفكر الكبير محمد حسنين هيكل- إلى معجزة لإنقاذ مصر من أزماتها الراهنة.
في مصر تتراكم تِركة ثقيلة عمرها عقود من زمن الاستبداد وحكم الفرد ونهب ثروات الشعب والأمة، وهي تِركة بالغة الصعوبة والتعقيد ولا ينفع معها اجترار الأماني والأحلام السعيدة أو إطلاق الشعارات المجردة التي سرعان ما تصطدم مع الواقع الموبوء.
مصر تحتاج في المرحلة المقبلة إلى مشروع إنقاذ سابق لمشروع النهضة، بحيث يتولى تصحيح وتقويم كل أشكال الخلل والاعوجاج التي تكرست طيلة العقود الماضية، وهي مرحلة معقدة للغاية ومكلفة تماما وتستغرق من الوقت والجهد الشيء الكثير.
باختصار، المرحلة القادمة في مصر هي مرحلة إعادة بناء القواعد والركائز من جديد، أي العمل ما تحت السطح، وما دون الصفر، ليُصار بعد ذلك إلى الخروج إلى السطح وطرح أفكار ومشروعات النهضة التي تنقل مصر من حال التخلف والارتكاس إلى حال الكرامة والاكتفاء بحدها الأدنى، قبل أن يذهب التفكير السليم والعمل المضني مداه باتجاه الانتقال إلى حال التقدم والازدهار.
ألم يكن ذلك كافيا لمزيد من التروي والتريث ونبذ الاستعجال ومنح الأولوية لأوسع مساحة ممكنة من التوافق المصري الداخلي بخصوص التفاهم على اسم مرشح يحظى بثقة غالبية المصريين؟!
الحكمة ضالة المؤمن، وها هنا فإن الحكمة تقول بأن تحمل مسؤولية المرحلة القادمة بشكل منفرد في ظل الظروف والتحديات التي تعيشها مصر حاليا أمر دون المنطق السياسي السليم، والقضية هنا ليست قضية رئيس ذو عصبة تسنده بقدر ما هي قضية مشروع سياسي لحكم الدولة بين يدي تحديات السياسة والواقع يحتاج إلى معجزة حقيقية لإنقاذ مصر من الأزمات التي تتقاذفها من كل الاتجاهات.
لم يكن ولوج دائرة الاستقطابات في إطار التحزب لهذ المرشح أو ذاك في مصر أمر موفقا، فبالرغم من استحالة نفي الاستقطاب الحاد ضمن مشهد السباق الرئاسي المصري نتيجة لترشح بعض المحسوبين على النظام السابق إلا أن الاستقطاب كان ينبغي أن يبقى قاصرا في أضيق نطاق ممكن، وأن لا يأخذ شكله الفسيفسائي الحالي الذي قد يضر بفرص مرشحي الثورة والمحسوبين عليها لصالح مرشحين آخرين قد يحاولون حرف بوصلة أهداف الثورة وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
من السهل إطلاق البرامج الانتخابية، وتغذيتها بالرؤى العامة والآليات التفصيلية، لكن تبقى النظرية دوما على مسافة مع الواقع، ليكتشف الجميع –فيما بعد ولكن بعد فوات الأوان- أن مصر بحاجة إلى رئيس يتوافق عليه معظم المصريين، ويعملون على إعانته وإنجاحه أولا قبل حاجتهم إلى النصوص والبرامج الانتخابية.
الحرية قبل أي شيء آخر، والغذاء والدواء والكساء قبل مشروع الحكم والدولة.
مصر اليوم تنتخب مستقبلها، ولن يشرق هذا المستقبل في ظل إرث الماضي وتحديات الواقع إلا بوحدة إرادة وتكاتف غالبية المصريين