تقلبات الوضع المصري الداخلي الذي تجلت أبرز مظاهره في نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية تؤشر إلى مخاض عسير لا زالت الثورة المصرية تتلظى بآلامه المبرحة وإفرازاته الساخنة.
في أي ثورة في أي مكان في العالم تلعب درجة ومنسوب الوعي دورا حاسما في تقريب إنجاز أهداف الثورة وتقليص الآثار والانعكاسات المترتبة عليها في إطار التحول من حال الدكتاتورية والاستبداد إلى حال الديمقراطية والانفتاح.
لكل مرحلة آثارها وذيولها، ولكل تحول تاريخي اهتزازات وموجات ارتدادية، يطول أو يقصر أمدها تبعا لمدى الوعي السياسي والمجتمعي لقوى ومجتمع الثورة.
في مصر نجحت الثورة في شوطها الأول بإسقاط رأس النظام، لكنها لم تحسن صنعا إزاء ترتيب أوراقها الداخلية في شوطها الثاني، ليجيء الشوط الثالث حاملا استحقاقات انتخابية خطيرة ترنحت قوى الثورة في معالجتها والتعامل معها.
قلة أو انخفاض مستوى الوعي فعلت فعلها في الواقع المصري في مرحلة ما بعد سقوط مبارك، ولم تستثنِ منها أحدا، حتى باتت الثورة المصرية اليوم على مفترق طرق وفي مواجهة أخطار داهمة تهددها بالزوال والاندثار.
"في مصر نجحت الثورة في شوطها الأول بإسقاط رأس النظام، لكنها لم تحسن صنعا إزاء ترتيب أوراقها الداخلية في شوطها الثاني
"
الإخوان المسلمون ارتكبوا أخطاء، والقوى السلفية ارتكبت أخطاء، وقوى اليسار الثوري ارتكبت أخطاء، والقوى الليبرالية الثورية ارتكبت أخطاء، ودوامة الخطأ بلا نهاية، فلا أحد يحاول استخلاص الدروس والعبر إلا متأخرا، ومن يستقم على الجادة يواجه بالطعن والخذلان من شركاء الثورة الآخرين.
الأنانية الشخصية والحزبية أكثر ما تكون طغيانا في السلوك الثوري المصري، بل إن بعض الشخصيات والقوى المحسوبة على الثورة لا تبالي بمصير الثورة في سبيل إعلاء "الأنا" الحزبية على حساب مستقبل الوطن والثورة.
ما يبتدره "الإخوان" اليوم من محاولات استدراكية لطمأنة الشارع المصري وشرح طبيعة ومضامين المشروع السياسي الذي يحملونه لقيادة مصر خلال المرحلة المقبلة، يشكل خطوة، وإن كانت متأخرة، في الاتجاه الصحيح، ولا بد من تعزيزها بخطاب أكثر وضوحا وتفصيلا يشتمل على آليات دقيقة لإنفاذ الأهداف المرفوعة، وتأصيل عصري للرؤى والمواقف الخلافية، وانحياز للقواسم المشتركة والمطالب الجمعية بعيدا عن المصطلحات الفضفاضة والشعارات الكبرى التي لا تحظى برضى وقبول مختلف الأطياف السياسية والشرائح الشعبية المصرية.
في المقابل، على القوى الثورية، الليبرالية واليسارية، أن تقلع عن سلبية الممارسة والخطاب، وأن تضع من إنجاح مشروع الثورة هدفا أسمى على كل الأهداف الجانبية والمشاريع الصغرى، وأن تبدأ تحشيدها بلا تأخير في مواجهة قوى النظام السابق التي تراهن على نجاح مرشحها "شفيق" في انتخابات الإعادة، وبالتالي انتهاء الثورة وأفول نجم الربيع العربي.
"الأنانية الشخصية والحزبية أكثر ما تكون طغيانا في السلوك الثوري المصري، بل إن بعض الشخصيات والقوى المحسوبة على الثورة لا تبالي بمصير الثورة في سبيل إعلاء "الأنا" الحزبية على حساب مستقبل الوطن والثورة.
"
وحدة موقف قوى الثورة المصرية تشكل فريضة واجبة وأولوية كبرى، والجميع اليوم أمام لحظة فارقة في تاريخ مصر والأمة بأسرها، وما لم تلتئم الجهود وتتوحد الطاقات في خانة دعم الثورة فإن النتائج قد تكون مفتوحة على كل الاحتمالات.
مصيبة المصائب أن تُرتهن الثورة المصرية لأجندات شخصية وحزبية، وأن تتحكم الأمزجة والأهواء في تحديد مسارها ومستقبلها.
لسان حالنا مع مصر الثورة: إما نكون أو لا نكون..؟؟!!