غزة / ديانا طبيل
منذ انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة ظهرت العديد من المشكلات الاجتماعية التي مست بالنساء مباشرة و زعزعت مسيرة حياتهن مع ازدياد أعداد الأرامل، إحدى هذه المشكلات ما يعرف بـ "مؤخر الصداق" والتي يدور حوله جدل كبير بين أهل الشهيد وأرملته في ظل تنكر العديد من العائلات لحقوق الأرامل.
فهل من حق الأرملة أن تستعيد مؤخر صداقها ؟ و هل يسقط مؤخر الصداق بالموت كما في الطلاق، وهل يعتبر دينا من الديون في ذمة الزوج؟ هل بموت الزوج أو استشهاده يصبح المهر المؤخر يحق للمرأة المطالبة به علاوة على حقها في الميراث؟
** دين على الزوج
منال.ح " 30عاما " والتي استشهد زوجها أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة تقول لـ "الرسالة " أنها لم تكن تدرك أن الشرع يعطيها الحق في الحصول على مؤخر صداقها فقد عايشت على مدار حياتها الكثير من قصص الأرامل ولم تحصل اية واحدة منهن على مؤخر صداقها، لكن بعد الحرب سمعت الكثير من قصص نساء حصلن عليه.
وتضيف: "قامت عائلتي بالمطالبة بمؤخر صداقي من أهل زوجي وتعاونوا معه في الأمر وحصلت على مؤخر صداقي فقد كان أهل زوجي معنيين بتطبيق الشرع بحذافيره".
وعلى العكس تماما كانت قصة أم محمد " 28 عاما" والتي استشهد زوجها خلال الحرب الأخيرة فتقول أنها وبحسب تخصصها الجامعي كانت تدرك أن مؤخر الصداق يصبح من حقها في حالة الوفاة أو الطلاق ولكن العادات المجتمعية التي طغت على الشرع حالت دون حصولها على مؤخر الصداق.
وتتابع: لقد قمت بالمطالبة بمؤخر صداقي من أهل زوجي وأوضحت لهم أن هذا احد حقوقي الشرعية والتي يجب فصلها عن ميراثي من وراء الزوج وانه يبقى في ذمته كدين مستحق، إلا أنهم أنكروا ذلك وسردوا مئات القصص لنساء توفي أزواجهن ولم تطالب أي منهن بمؤخر صداق واعتبروني مادية, أهدف من ذلك "التكويش" على مبلغ من نقود زوجي، وفى النهاية تنازلت عن حقي من أجل زوجي الشهيد".
** تنازلت عن حقي
في حين لم يتطرق احد إلى قضية مؤخر الصداق بالنسبة للشابة سمر.م " 23 عاما" والتي استشهد خطيبها أثناء الحرب الأخيرة وذلك بسبب صدمة الاستشهاد بالنسبة لها ولعائلتها وعدم معرفتهم بالكثير من الأمور الشرعية، كما تقول.
وتضيف: بحكم القرابة والاحترام لخطيبي تنازلت عن حقي بمؤخر الصداق لإبراء ذمة خطيبي أمام الله وقد قدر أهلي هذا الجانب خاصة ونحن ندرك أن أوضاع خطيبي المادية قبل الاستشهاد كانت صعبة للغاية وخسارتهم كبيرة للغاية باستشهاده.
من الجدير ذكره أن بعض المشاكل المتعلقة بمؤخر الصداق ظهرت بعد الحرب الأخيرة التي آلت إلى استشهاد المئات من الفلسطينيين، كرفع بعض زوجات الشهداء أو المتوفى عنها زوجها أو أولياؤهن الأمر إلى المحاكم الشرعية قضايا للمطالبة بمؤخر الصداق مما أثار استغراب الكثيرين، واعتبروا أن مطالبة الزوجات أو من ينوب عنهن منقصة في حقهم، و من دواعي الطمع والجشع و حب المال، و إرهاقاً لكاهل أهل الشهيد الأكثر تضرراً من فقده، و يحملهم هماً فوق همهم ومصيبة فوق مصيبتهم.
و في هذا السياق تقول الداعية آمال حمد أن مؤخر الصداق في عقد النكاح الصحيح يعتبر ديناً صحيحاً للزوجة في ذمة الزوج لأقرب الأجلين الطلاق أو الوفاة، وليس في الطلاق فقط، ولا يسقط هذا الدين إلا بالأداء من الزوج أو ذويه أو الإبراء من قبل الزوجة بأن تتنازل عن حقها بمحض إرادتها، مضيفةً إذا مات الزوج أصبح مؤخر الصداق دين يجب أن يؤدى إلى الزوجة، وحق يتعلق بتركة زوجها قبل توزيعها، ومن ثم توزع التركة بعد تصفيتها من الحقوق المتعلقة بها على ورثته الشرعيين كل حسب نصيبه.
و أكدت أن ما يحدث اليوم من مشاكل بين أهل الزوج والأرامل لا يجوز بأي حال من الأحوال فلا يجوز , أن يتنكر أهل الشهيد لامرأته فيما لها من حقوق، وخاصة حقها في مؤخر صداقها بحجة أن لها حقاً في ميراثه وهو يغني عن حقها فيه أو لاى سبب آخر.
** جهل بالحقوق
وتضيف حمد: "يحق للأرملة أو لولي أمرها الترافع أمام القضاء للمطالبة بحقها، و تكون محقة ولا تلام لو صدر منها هذا الفعل، فقد يكون هذا الدين مانعا للشهيد من دخول الجنة ونيل رضوان الله في الآخرة إذا لم تتسامح فيها الزوجة، حرمان أهل الشهيد من الحصول على شفاعته يوم العرض لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُغْفَرُ للشهيد كلُّ ذَنْب إلا الدَّيْنَ".
واعتبرت حمد أن الجهل بالحقوق لا يفترض أن يكون مانعا من أدائها إلى أصحابها، ما لم يصدر من صاحبه ما يفيد إبراء المدين أو إسقاط الحق عنه والتنازل له بمطلق اختياره من غير إحراج له، وهذا ينطبق على المهر المؤجل، منوهةً إلى أن بعض الناس يعتقدون بأن المؤخر يصير دينا على الرجل في حالات الطلاق فقط وليس في حالات الوفاة أو الشهادة.
وتتابع حمد :" سكوت الزوجة عن هذا الحق لا يعني أنها راضية بترك حقها فقد يكون ناتجاً عن جهلها بأنه من ضمن حقها، ولا يجوز لأهل الزوج بعد وفاته أن يستغلوا جهلها بحقها، مؤكداً أن إعلامها بحقها واجب شرعي، مما قد يدفعها للمسامحة أو التنازل عنه ".
دعت حمد أهالي الشهداء والمجتمع الفلسطيني مراعاة ظروف زوجة المتوفى أو الشهيد وتقدير فجيعتها بموت زوجها وفقدانها بموته نعمة الزوجية، وأنها الأكثر تأثراً ضررا، لذا عليهم إمدادها مادياً ومعنوياً، عدم ممارسة الضغط عليها لترك حقها ومساومتها.