يعمل الحاج أكرم اليازجي خلف آلة "النول" لنسج "البسط" ومن خلفه أسرة مكونة من أربعة وخمسين فردا يقتاتون من انتاجه. وإذا ما انتهى الحاج اليازجي وابنه رائد من العمل في هذه الحرفة الموروثة فستصبح مهنة النسيج مهددة بالانقراض، وبخاصة أن ثلاث آلات من أصل 500 آلة لا تزال تعمل في الاراضي الفلسطينية.
ويحرص اليازجي من سكان مدينة غزة على مزاولة مهنته يوميا، رغم ان حجم الإقبال على انتاجه محدود جداً.
ولولا ايمان الستيني بأصالة مهنة النسيج، لكان قد غادرها منذ زمن، ذلك حسبما قال. وأشار إلى أن منتوجاته اليدوية تحظى بإعجاب زوار معارض التراث في غزة، إلا أن ثقافة اقتنائها لا تزال محدودة في القطاع الذي يبلغ عدد سكانه مليون ونصف المليون مواطن، ثلثهم لاجئين.
وتحمل منسوجات الحاج اليازجي وولده طابعا فنيا أكثر منه تجاري، حيث يمكنهما نسج صور شخصية بأناملهما عبر خيطان الصوف المرصوصة فوق آلة "النول".
و"النول" هو عبارة عن آلة يدوية لها دواستان يحركهما النساج لأجل تشابك العقد بين الخيطان المرصوصة كأسنان المشط.
لا تعبر الشمس مدخل "مشغل" اليازجي إلا من خلال ثقوب صغيرة في سطحه الصفيحي، فيما تصنع الانارة الخافتة الداخلية جوا تراثيا بامتياز. وحولت المنسوجات اليدوية، جدران المشغل البالية، إلى لوحة فنية تتداخل فيها الخيوط لترسم ملامح بيت الفلسطيني القديم، الذي كان يفترش أرضية منزله بـ"البسط" وفرشات ومخدات مطرزة.
ويقول رائد في الثلاثين من عمره، وهو جالس خلف "النول" إنه التحق بمهنة والده منذ نحو 18 عشر عاماً، حتى امتلك مهارة نسخ الصور الشخصية على قطع النسيج، مبينا أن اللوحات والرسوم التي تحوم في رأسه يقوم بتحديد ملامحها بالطباشير ثم يعود وينسجها بخيوط الصوف.
وعن كيفية تنفيذ الصور الشخصية قال: "أقوم بتسليط جهاز العرض المرئي"LCD" فوق "النول" وأغزل الملامح عقدة بعقدة، حتى تخرج الصورة بشكلها الطبيعي".
ويستغرق رائد ذو البشرة البيضاء، من ثلاثة إلى خمسة أشهر في نسج الصور الشخصية التي لا يتقن فن رسمها إلا في ساعات الليل. واعتبر أن جهوده المبذولة لا تقدرها الجمعيات والمؤسسات الراعية للثقافة والحرف التراثية، قائلا: "أجدادنا فقط هم من يدركون قيمة هذا العمل".
ولا تتراجع حرفة النسيج في غزة بفعل الجهل العام بقيمة هذه المنتوجات فحسب، بل أسهم الحصار الذي فرض على غزة على مدار خمس سنوات، في كسر ظهرها، حيث أبقى الآلات الثلاث معطلـة لفترات طويلة.
ويقول أبو ثائر السلك وهو واحد من بين ثلاثة يمتلكون ماكنة "النول" إن الحصار حرمهم من استيراد الخيطان، فضلا عن حظر تصدير منتوجات النسيج إلى الضفة الغربية والخط الاخضر وهما السوقان الأساسيان لتلك المنتوجات اليدوية.
وقبل انتفاضة الاقصى عام 2000 حظيت هذه الحرفة باهتمام بالغ من السياح الذين كانوا يتوافدون إلى القطاع بين الحين والآخر، إلا أن انتكاستها ابان الانتفاضة لم تقض عليها، والكلام للسلك.
وألمح السلك في منتصف عقده الرابع، إلى أهمية أن تتبني الجهات المسؤولة للحرفيين ودفعهم لتدريب اجيال جديدة على مهنة النسيج، "حتى تطيل عمرها وتحافظ عليها من الانقراض".
وأوضح النساج ذو الشعر الأبيض، أن بدو النقب كانوا زبائن دائمين لمنتوجاته التي ورث العمل فيها عن جده وأخواله، مشيرا إلى ان الاحتلال يحول دون وصول تلك المنتوجات إلى تلك المنطقة الواقعة على الأطراف الشرقية من فلسطين.
ولفت إلى أن الكميات الواردة من المواد الخام عبر المعابر التجارية مع الاحتلال، لا تزال مقننة، وكأن الاحتلال أراد لهذه المهنة أن تهرم وتندثر" وفق قوله.