قائمة الموقع

الشهيد "الثائر" .. الانسان الحنون والمقاتل الهصور

2012-07-02T11:30:48+03:00
الشهيد ثائر اثناء وداعه من ابنته
الرسالة نت - كمال عليان

على مدخل باب بيتهم المتواضع بمعسكر جباليا شمال القطاع، ترتفع صورة كبيرة للشهيد ثائر البيك "أبو أنس"، أعلى هذه الصورة آية قرآنية لطالما كان يرددها "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه".

تختصر هذه الصورة ما يعنيه "أبو أنس" لسكان المخيم، فالرجل كان فارسا في الميدان، ولعل من يريد ان يعرف "أبو أنس" أن يسأل ابناء المخيم عنه، كباراً كانوا أو صغاراً، إذ مجرد قول اسمه، مهما كان عدد المرات التي سيذكر فيها الاسم، ستردد عبارة "رحمه الله" مباشرة بعده، او سترسم ابتسامة صغيرة، أو ستعلق دمعة بين جفني من عايشوه.

ترجل فارس البندقية – وهو قائد ميداني في كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس- إثر استنشاقه غازا ساما، بعد قصف طائرات الاحتلال لموقع "الشهيد فوزي أبو القرع" العسكري شمال القطاع.

ميلاد الثائر

كانت الشمس تسطع في كبد السماء، تلقي بأشعتها الحارقة على تراب المخيم الصفراء، لتزيدها جمالا ولمعانا، وفي أحد البيوت التي عايشت الاحتلال الصهيوني وعانت وتصدعت جدرانها من ظلمه وبطشه سُمع صراخُ طفلٍ في المهد سوف يكبر يوماً  ويقارع الاحتلال ويجعلهم يدفعون الثمن غاليا, إنه الثائر على الظلم، والثائر على المحتل، إنه ثائر البيك رجل المهمات الصعبة والمواقف الخطيرة.

"

منذ صغره عشق ثائر الجهاد في سبيل الله تعالى، وتمنى أن يحمل البندقية يوما ويقارع أعداء الله، وينتقم من قتلة الأطفال والنساء والشيوخ، ومن ارتكبوا المجازر البشعة بحق شعبنا الأعزل، ومن هدموا البيوت وجرفوا الأراضي وذلوا شعبنا على حواجزهم الزائلة بإذن الله تعالى.

"

كان العام 1981م  في شهر يوليو موعدا لميلاد المجاهد القسامي ثائر البيك الذي تربى على حب الجهاد في سبيل الله عز وجل، ورضع لبن العزة والكرامة والإباء، وعاش في ظلال القرآن والإيمان، حتى نمى وترعرع  على حب الله عز وجل والدفاع عن دينه.

تزوج ثائر في الثاني والعشرين من شهر أغسطس لعام 2002م من امرأة صالحة أنجبت له ثلاثا من الإناث وذكر وهي الآن تحمل في أحشائها جنينا سيفتح عينيه على هذه الدنيا وهو يتيم.

التحق شهيدنا المجاهد –رحمه الله– بالشرطة الفلسطينية عام 1998م، وبعد فوز حركة حماس بالانتخابات التحق مباشرة بالقوة الخاصة التابعة لها، وبعد فترة قصيرة عمل مرافقا لوزير الداخلية الشهيد سعيد صيام " أبو مصعب"، وبعد استشهاد القائد سعيد صيام انتقل إلى مرافقة خليفته في وزارة الداخلية فتحي حماد "أبو مصعب" ، وبعد قضاء فترة في المرافقة انتقل شهيدنا إلى التفرغ للعمل العسكري لكتائب الشهيد عز الدين القسام.

صبر ورضا

لم تدر الحاجة أم ثروت –والدة الشهيد- من أين تبدأ بسرد قصص استشهاد ابنها، فشريط ذكرياتها مليء بالآلام والصبر والرضا بالقضاء والقدر.

ترجع الأم بالزمن للوراء وبالتحديد إلى يوم الأربعاء 20-6-2012 أي قبل استشهاده بيوم واحد فقط، عندما جاء يزورها وقت الظهيرة وتقول :" جاء يومها وقد كان جميل المنظر، محففا لحيته وشعره، وكأنه يجهز نفسه للشهادة، وبعدما تناول طعام الغداء معي، اتصل به إخوانه في القسام، فذهب بعدما أعطيته بعض المكسرات، وهذا آخر موقف رأيته فيه".

"

عمل شهيدنا –رحمه الله– في بداية مسيرته العسكرية جنديا مرابطا على الحدود، في كتيبة الشهيد فوزي أبو القرع، وبعد أن رأى القادة العسكريون شجاعته وإقدامه رشحوه لأن يكون أميرا لمجموعة عسكرية ثم قائدا لفصيل عسكري يقوده في سبيل الله تعالى. 

"

صمتت الحاجة "أم ثروت" قليلا وكأنها عادت لتتذكر تلك الابتسامة التي أوصلها لها ابنها ثائر قائلة: كان عندما يدخل بيتنا يسلم علي ويقبل يدي، حتى لو جاء أكثر من مرة في اليوم، يكرر فعلته، ودائما ابتسامته مرسومة على وجهه".

لم تكن الأم على علم بأنه اللقاء الأخير بابنها وكأنه يحييها على تربيتها الطيبة له التي اوصلته الى طريق الشهادة.

وتضيف وهي تبتسم ابتسامة الأم الصابرة: "كان دايما يمزح معي ويحترمني وحركاته كانت تضفي جوا جميلا على الحياة, كان ابنا بارا بوالديه، يحب مساعدة الناس، حتى لو كان على حساب صحته".

وحول يوم الاستشهاد تتذكر الحاجة أم ثروت ذلك اليوم عندما رأت ابنها شهيدا, ألقت عليه نظرة الوداع واحتضنته محاولة ان تخفي دموعها ولكن امومتها خانتها حينما حملوه على الاكتاف فذرفتها ألما على فراقه.

كان جميع الأهل يحاولون إخفاء نبأ استشهاد ثائر عن الأم التي تعاني من مرض الضغط خوفا على صحتها ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فعلمت من الوالد أبو ثروت، الذي اصطحبها إلى مستشفى كمال عدوان حيث يرقد الشهيد حينها.

مجاهد مخلص

كان هدوء "أم أنس" زوجة الشهيد، التي تجلس بجوار صور زوجها، ملفتا للنظر أثناء حديث الأم عن لحظاتها الأخيرة مع الشهيد.

"عاش مجاهدا مخلصا، ومات شهيدا" هي الكلمات الوحيدة التي استطاع لسان الزوجة أن ينطقها حينما سألناها عن زوجها الشهيد.

واليوم وبعد أسبوع من استشهاده تسترجع أم أنس بعض الذكريات بينها وبين ثائر بقولها :" يوم استشهاده، قرر الذهاب إلى الموقع العسكري المجاور لبيتهم، فقلت له أن أجلس معنا قليلا، فرد علي بأنه سيغيب خمسة دقائق وسيعود سريعا، وقبّل أبناءه، وذهب وكأنه يودعهم".

وبينما كانت تحاول منع دمعة حارقة كانت تتلألأ في عيونها تضيف أم أنس :" كان ثائر مدربا في الموقع العسكري، ومنضبطا بشكل كبير في مواعيده، وذات مرة كان عليه الذهاب إلى الموقع الساعة العاشرة  ليلا إلا أنه جهّز نفسه قبل ساعتين، فقلت له أن الوقت مازال مبكرا، إلا أنه كان يصر دائما على الحضور مبكرا حتى يكون قدوة للمجاهدين في كل شيء".

"

ترجل فارس البندقية – وهو قائد ميداني في كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس- إثر استنشاقه غازا ساما، بعد قصف طائرات الاحتلال لموقع "الشهيد فوزي أبو القرع" العسكري شمال القطاع.  

"

ولم تنس أم أنس مواقف النخوة لدى زوجها وحبه لمساعدة الآخرين وتتابع :" لم يكن يرد طلب لأحد، ويحب مساعدة الآخرين، سواء كان قريبا أم بعيدا، حتى أنه كان يؤجل عمله الخاص على مساعدة الناس".

الثائر القسامي

منذ صغره عشق ثائر الجهاد في سبيل الله تعالى، وتمنى أن يحمل البندقية يوما ويقارع أعداء الله، وينتقم من قتلة الأطفال والنساء والشيوخ، ومن ارتكبوا المجازر البشعة بحق شعبنا الأعزل، ومن هدموا البيوت وجرفوا الأراضي وذلوا شعبنا على حواجزهم الزائلة بإذن الله تعالى.

ومنذ أن بايع ثائر إخوانه على الجهاد والتضحية وتقديم الروح في سبيل الله، فقد طلب من إخوانه أن يكون جنديا في صفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام لتكتمل الصورة الجميلة للشاب المتلزم المؤمن المجاهد العابد المقاتل الصنديد، وبعد إلحاحٍ شديد وافق إخوانه على أن يكون مقاتلا في صفوف الكتائب ليبدأ رحلة البندقية والثأر من أعداء الله عز وجل، وتحقيق حلمه بأن يرتقي شهيدا في سبيل الله تعالى.

عمل شهيدنا –رحمه الله– في بداية مسيرته العسكرية جنديا مرابطا على الحدود، في كتيبة الشهيد فوزي أبو القرع، وبعد أن رأى القادة العسكريون شجاعته وإقدامه رشحوه لأن يكون أميرا لمجموعة عسكرية ثم قائدا لفصيل عسكري يقوده في سبيل الله تعالى.

وهذه أبرز المهمات التي تقلدها الشهيد الثائر – رحمه الله –

• الرباط الدوري على الحدود، وفي المناطق المتقدمة والخطرة.

• المشاركة في حفر الأنفاق بصورة فاعلة .

• العمل ضمن الوحدة القسامية الخاصة لكتيبة الشهيد فوزي أبو القرع.

• المشاركة في الحسم العسكري الذي قامت به القسام ضد عصابات القتل والفلتان.

• المشاركة في عملية صيد الأفاعي القسامية والعمل ضمن مجموعة الإسناد .

• المشاركة في عملية الاستشهادي يوسف الولايدة شرق مخيم جباليا.

• الخروج في كمائن متعددة والمشاركة في إطلاق الصواريخ والهاون على المغتصبات.

• عمل مدربا لأفراد كتائب الشهيد عز الدين القسام.

رحيل الثائر

خرج ثائر في صباح يوم الخميس الموافق 21/6/2012م من بيته مودعا أهله كعادته، وذهب برفقة بعض المجاهدين لتفقد النفق الذي استهدفته طائرات الاحتلال قبل يومين، ليبادر ثائر وصديقه الشهيد محمد الخالدي في الدخول إلى النفق، وعندما وصلوا إلى منطقة معينة فقدوا الوعي بسبب الغازات السامة التي حملتها صواريخ الحقد الصهيوني، وبعد محاولات لإخراج ثائر، تمكن الأخوة من سحبه إلى خارج النفق لينقل إلى مستشفى الشهيد كمال عدوان، وأدخل إلى العناية المركزة ولكن دون جدوى، فلقد كتب الله عز وجل أن يرتقي ثائر في هذا اليوم شهيدا ليبدأ رحلة الراحة وإنهاء حالة التعب من دنيا الفناء.

لم يبق من رائحة الشهيد "أبو أنس" سوى الذكريات وبعض الملابس، التي كان يرتديها في مهماته الجهادية ضد الاحتلال.

اخبار ذات صلة