مقال: السلطة وملف اغتيال عرفات

فتح ملف اغتيال الراحل ياسر عرفات عنوة ورغم انف بعض المسئولين الفلسطينيين في السلطة الفلسطينية ممن يحاولون ولازالوا إبقاء هذا الملف مغلقاً خشية أن تُكشف أبعاد جريمة الاغتيال المتورط فيها شخصيات ذات أوزان سياسية وقيادية في حركة فتح والسلطة رغم أن المتهم الرئيس في عملية الاغتيال هو العدو (الإسرائيلي) والإدارة الأمريكية.

نحن نقول هذا الحديث في أعقاب ما أثارته قناة الجزيرة من خلال عرضها لفيلم وثائقي عن وجود مادة سامة وُجدت لها آثار في ملابس عرفات كفيلة بقتل الرجل بشكل بطيء تماماً كما حدث معه، وهذا التقرير لا يحمل الأدلة الكافية ولكنه فتح الطريق أمام إعادة فتح الملف وإجراء تحقيق جاد حول عملية الاغتيال والأطراف المتورطة فيه بعد أن عجزت السلطة على مدار ثمانية سنوات، بالرغم من تشكيل عدد من اللجان، عن التوصل إلى أي شيء حول الجريمة ومرتكبها وأدواتها المختلفة.

هذه اللجان العاجزة لم تُشكل من أجل كشف الحقائق إنما شكلت من أجل إغلاق هذا الملف وعدم البحث فيه واعتبار أن الموت كان طبيعياً بفعل السن وأمراض الشيخوخة ولا شبهة أو جريمة في حالة الوفاة، رغم أن العديد من الأطباء وعلى رأسهم طبيبه الخاص، أكد أن وفاة عرفات غير طبيعية وأنها بحاجة إلى تحقيق معمق لكشف أسبابها الحقيقية، إضافة إلى بعض الجهات القريبة والبعيدة من السلطة أشارت أن وفاة عرفات كانت بسبب مادة سمية سواء وضعت له في الطعام أو دخلت إلى جسمه بطرق أخرى.

السلطة لم تكن معنية بالتوصل إلى نتائج، وحرصت على إغلاق هذا الملف على مدى السنوات الثمانية وحركة فتح غير معنية بوفاة زعيمها ومؤسسها كونها حركة برجماتية أي حركة مصالح ، بمعنى أنها مع مصلحة أفرادها، فيوم كان عرفات يحقق لها مصالحها كانت معه وبعد وفاته أصبحت مصالحها مع شخص آخر فأعطت له الولاء حرصاً على مصالح أفرادها، ولم تهتم كثيراً في البحث أو الدفع نحو التحقيق في وفاة عرفات رغم وجود شبهات وسكتت وسكت من بيده القرار.

ولكن السلطة أيضا تعلم أن المتهم هو (إسرائيل) وهذا المتهم هم بحاجة إليه ولا يريدون إغضابه ولأنهم يريدون مفاوضته لذلك يخشون غضبه، وهذا المتهم لديه أوراق الإدانة لبعض أطراف السلطة لمشاركتها في عملية الاغتيال، وهناك مصالح متبادلة بين هذه الأطراف ستتضرر لو تم كشف ملابسات الجريمة فآثرت السلطة أن تجعل القضية طي الكتمان وكأن الموت حدث عارض وطبيعي ولا جريمة فيه.

ثم جاء فيلم الجزيرة ليفتح هذا الملف مرة أخرى، ما جعل السلطة في حرج، لأن سؤال الناس كيف تمكنت الجزيرة من التوصل إلى هذا النتائج في فترة زمنية قياسية شهور تسعة أو سنة، ولم تتمكن السلطة على مدى سنوات ثمانية من فعل ذلك أو توجيه الاتهام إلى أي طرف، ثم يخرج علينا من يقول أن إخراج جثمان عرفات يحتاج إلى طلب من ابنته زهوة للنائب العام يسمح للجهات المختصة بفحص عظام الراحل من جديد وفتح تحقيق حول الموضوع، والحقيقة أن قضية اغتيال عرفات ليست قضية عائلته أو أن الأمر متعلق بابنته أو زوجته أو آل القدوة جميعا، لأن قضية عرفات قضية  وطنية من الطراز الأول وعندما استهدف كان رئيساً للسلطة الفلسطينية وللشعب الفلسطيني ولم يكن مجرد أحد أفراد عائلة القدوة ، وقرار إخراج الجثة وفحصها هو قرار سياسي وطني لفتح التحقيق في قضية تهم الشعب الفلسطيني، ولكن هذا الحديث هو نوع من الهروب ولتعطيل التحقيق الذي سينطلق من نتائج الفحص.

وحتى لا نطيل نود الإشارة إلى ما نعتقد أنه حقيقة وهو أن أي لجنة تحقيق لن تتمكن من القيام بمهامها بشكل صحيح في ظل وجود السلطة الفلسطينية وقيادتها وحاشيتها، وسيبقى هذا الملف مغلقاً إلى أن تنتهي هذه السلطة وعندها سيتم فتح الملف بشكل جاد وستعمل لجنة تحقيق مهنية وطنية لكشف كل الأطراف التي تورطت وشاركت في عملية الاغتيال.

البث المباشر