يشير التصور الرائج من ثورات الربيع العربي إلى أنها تنشئ بيئة شرق أوسطية أصعب وأعقد على الولايات المتحدة و(إسرائيل)، مما كانت من قبل، وأنهما الخاسرتان الرئيستان من هذا المسار، وتخسران أملاكاً مركزية، وتأثيراً في العالم العربي.
ففي حالة (إسرائيل) يُترجم الواقع الجديد لتهديدات أمنية جديدة منها:
1- الخوف على مصير اتفاقات السلام مع مصر والأردن،
2- اضطراب الأمور في سيناء الذي جعل هذه الحدود الطويلة مركز احتكاك أمني.
ويبدو في نفس الوقت أن الرابحين هم المعارضون لواشنطن و(تل أبيب)، ومع ذلك يبدو بعد أكثر من سنة أن الواقع الناشئ في الشرق الأوسط العربي أشد تعقيدا، وان تحديد الرابحين والخاسرين ليس سهلا جدا.
"كان الافتراض (الإسرائيلي) أن سقوط النظام المصري يُضعف محور الدول البراغماتية، ويقوي المحور الآخر
"
وكان الافتراض (الإسرائيلي) أن سقوط النظام المصري يُضعف محور الدول البراغماتية، ويقوي المحور الآخر، ولا اعتراض على أن سقوطه، والإضرار باستقرار نظم أخرى كالأردن، كانت في نطاق تأثير الولايات المتحدة، وحافظت على استقرار والعلاقات مع "(إسرائيل)، وأيدت السلام معها، وأضرا بمكانة واشنطن و(تل أبيب).
كما أن عدم الاستقرار المزمن سيتركز في أعقاب الهبات الشعبية على نظم الحكم، وصعوبات الانتقال للوضع الجديد جيدة للغرب و"(إسرائيل) في الأمدين القصير والمتوسط، لأن الميزان الجديد في واقع الأمر في طور النشوء أكثر تعقيداً، وليس ذا معنى واحد، من خلال الشواهد التالية:
1- نشأ في السنين الأخيرة بجانب الصراع بين هذين المحورين تنافس بين اللاعبتين الصاعدتين غير العربيتين، إيران وتركيا، وقد أبرز الربيع العربي هذا التنافس فوق السطح، وزاده حدة، ويتنافس النموذجان في طهران وأنقرة في نفوس الجماهير العربية التي تمردت على حكامها.
مع العلم أن النموذج التركي في هذا التنافس ينتصر بصورة واضحة، وقد أنشأ الربيع العربي مصلحة لتركيا وللولايات المتحدة في تعزيز التعاون بينهما، ومن المنطقي أيضا الافتراض أن الحكومات الجديدة برئاسة أحزاب إسلامية فازت في الانتخابات ستطمح لأن تشبه النموذج التركي أكثر.
• التحدي الاستراتيجي
ويبدو أن هذه الحكومات العربية بزعامات إسلامية ستطمح لأن تظل متصلة بالعالم الغربي الذي تتصل به اتصالا اقتصاديا، وينبع من ذلك استنتاجان:
1- أهمية تركيا باعتبارها لاعبة ذات تأثير إقليمي تزداد مقابل إيران، لكنها خسرت في الأمد القصير أملاكاً واستثمارات كالعلاقات التي نشأت بالرئيس السوري بشار الأسد، والعلاقات الاقتصادية في ليبيا، لكنها كيّفت نفسها سريعا، وستعيد لنفسها كما يبدو أملاكها بل أكثر منها.
2- التنبؤ بموت التأثير الغربي، لاسيما تأثير الولايات المتحدة في الشرق الأوسط كانت سابقة لأوانها جداً، لأن وجوه الثوار والمحتجين في الدول العربية تتجه للغرب والولايات المتحدة، على أمل ان مساعدتهما بتدخل عسكري أحيانا كما في ليبيا، وقيمهم الغربية.
لكن الأحزاب الإسلامية تفوز في الانتخابات، وتضطر لتبني غير مختارة أو مختارة أحيانا القيم التي يؤيدها المحتجون، شباب الثورة.
3- في الواقع الجديد الذي توجد فيه جوانب شديدة على الولايات المتحدة و"(إسرائيل)، يوجد احتمال تغييرات في نظام القوى في العالم العربي معناها ايجابي لهما، والمثال البارز سوريا التي تهدد الهبة الشعبية فيها نظام الأسد، فإذا سقط النظام فستسقط دعامة من دعائم المحور المعادي بقيادة إيران.
"النظام الإقليمي الجديد قد يكون معاديا لـ(إسرائيل)، لكنه على الأقل لن يتعاون مع إيران وحزب الله الحليفان للنظام القديم، وإذا لم يسقط النظام فسيكون تحديا أقل للولايات المتحدة و"(إسرائيل)
"
كما أن النظام الإقليمي الجديد قد يكون معاديا لـ(إسرائيل)، لكنه على الأقل لن يتعاون مع إيران وحزب الله الحليفان للنظام القديم، وإذا لم يسقط النظام فسيكون تحديا أقل للولايات المتحدة و"(إسرائيل) لأنه سيكون ضعيفا، ولهذا ستكون مجابهته أسهل.
4- يؤثر الربيع العربي على وضع وسلوك لاعبات عربيات أخرى، فقد هبت السعودية ودول الخليج المحافظة الأخرى من جهة للعمل، وحكامها يُصرفون سياسة أكثر حزما مما كانت في الماضي، واشتدت حدة التوجه المعادي لإيران في سياستها لخشيتها من أن تتآمر في ساحاتها الداخلية.
أخيرا...يخلص تقدير الموقف (الإسرائيلي) إلى أنه ليس مفاجئا أن تزيد أهمية الجامعة العربية التي كانت دائما مركز قوة مصر، كما أن للربيع العربي تأثير كبير في اللاعبات الفلسطينيات، حيث شعرت حركة حماس بعدم ارتياح شديد حينما وجدت نفسها في الجانب غير الصحيح مع سوريا وإيران، وتشتغل الآن بإعادة تموضعها من جديد، وتبحث -كما تقول (تل أبيب)- عن راعيتين جديدتين هما مصر والسعودية.