يتساءل كثير من الناس عن الذي حملته وتمخضت عنه زيارتي مشعل وهنية للرئيس مرسي مؤخرا.
الإجابة على هذا التساؤل مشوبة بسلسلة من التعقيدات التي أورثتها عقود من السياسة المصرية التقليدية التي اعتمدت البوابة الأمنية والوسائل القهرية مع الشريط الساحلي الضيق الذي شكل –ولا زال- بؤرة تجاذب واستقطاب لمراكز السياسة الإقليمية والدولية.
حملت حماس وحكومتها أحلاما كبرى إلى قصر الرئاسة المصري، وفي مقدمتها معالجة أمر الحصار الشرس المفروض على القطاع منذ ست سنوات، وبدت أشد ما تكون ثقة في الخروج من شرنقة الأزمة التي دارت في دوامتها منذ تقلدها زمام الحكم وحتى اليوم.
كيف لا وقد أكرم الله الفلسطينيين برئيس مصري جديد ينتمي إلى قيم ومبادئ الثورة المصرية المجيدة، ويجاهر بدعمه الكامل للفلسطينيين وحقهم الكامل في حقوقهم المشروعة غير منقوصة.
فوق ذلك، فإن الرئيس المصري ينتسب فكريا وتنظيميا إلى ذات الفكر والتنظيم الحاكم على أرض القطاع.
لذا فإن كل المؤشرات الموضوعية –وفق آراء ومعتقدات الناس- تدفع باتجاه جملة من الإنجازات الفورية التي ينبغي أن تكتحل بها عيون أهالي القطاع، وأن تجد لها ترجمة سريعة نحو رفع معاناتهم وتخفيف آلامهم.
من يحمل هذا الاتجاه في التفكير يخطئ خطأ فادحا ويلامس سطحية ساذجة في عالم السياسة، ذلك أن السياسة المصرية التي يقودها الرئيس مرسي تتحرك ضمن حقول ألغام، داخليا وخارجيا، وتواجه إرثا هائلا من مخلفات السوء التي تركها النظام السابق، وتتربص بها ملفات ساخنة جدا ومعقدة للغاية لا زالت تتفاعل داخل بنية الدولة المصرية والشارع المصري على السواء.
يدرك الرئيس مرسي ذلك كله، ويعلم علم اليقين أن رفع الحصار عن غزة تماما وإعادة الاعتبار لأهلها الصامدين يشكل معركة بكل معنى الكلمة، ويستلزم فتح جبهة سياسية ودبلوماسية واسعة النطاق مع صناع القرار والقوى الكبرى المهيمنة دوليا.
لو كانت المسألة باجتراح العواطف والتمنيات لهان الأمر وحُسمت المسألة منذ اللحظة الأولى، لكن المسألة مسألة حسابات سياسية معقدة توجب التأني والتدرج وإنضاج ملف الحصار على نار هادئة، وتملي على الفلسطينيين ذاتهم دورا مقابلا باتجاه دعم ومساعدة وإسناد الجهود المصرية نحو فك الحصار ورفع المعاناة بشكل نهائي.
نلتمس العذر تماما للرئيس مرسي، فهو في مقاربته لملف الحصار على غزة أشبه ما يكون بالطبيب الذي يقدم وصفاته الطبية للمريض الذي أنهكه الجوع وهدّه العطش لفترة طويلة حين يأمره بالتدرج في شرب الماء وتناول الطعام خشية المضاعفات.
أمام قادة وأهالي القطاع اليوم خياران لا ثالث لهما في إطار مواجهة أزمة الحال والحصار.
الخيار الأول أن يستمروا على ذات النسق الراهن، وينسجوا على منوال التدرج المصري في تخفيف المعاناة عبر التسهيلات المتكررة دون رفع الحصار حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
أما الخيار الآخر فيكمن في الدفع باتجاه إنجاح جهود المصالحة الوطنية، ومنح السياسة المصرية القوة الكافية والفرصة المواتية لرفع الحصار عن غزة وإنهاء معاناة أهلها بشكل جذري.
الخيار الأول يلبي حاجات تكتيكية مؤقتة، ويستبطن مخاطر لا تحصى، فيما يعمل الخيار الآخر على البعد الاستراتيجي، ويحقق للفلسطينيين وقضيتهم كسبا مؤكدا، ويضع مصالحهم في مقدمة الأولويات.
لذا، فلا عجب أن تكون سيرة المصالحة وسبل تحقيقها رائدة النقاش داخل القصر الجمهوري المصري والمقر الرئيس لجماعة الإخوان في المقطم.
السياسة المصرية الرسمية تسير اليوم بخطى واثقة ورؤى متوازنة تجاه دعم وإسناد الفلسطينيين وقضيتهم، فقد أضحت اليوم عمقا استراتيجيا ينشر إشعاعاته الخيّرة على فلسطين والأمة بأسرها، وعادت لتشكل من جديد الرقم الصعب في المعادلة الإقليمية الخاصة بالمنطقة والعالم.
بين مصر وحماس علاقات آخذة في التشكل والتبلور على أسس عروبية وإسلامية راسخة، وكما إن حماس تحمل لمصر مطالب واستحقاقات بحكم روابط الدين والتاريخ والمصير المشترك وعلائق الأمن القومي والجغرافيا السياسية، فإن مصر –أيضا- تنتظر من حماس مزيدا من العمل لإنجاز التوافق الفلسطيني الداخلي، ومزيدا من النضج والتطور في إطار التفكير والممارسة السياسية.