الدراما المصرية –في معظمها- بائسة، وتقتل في المرء القيم والأخلاق، وتنشر روح الميوعة والإسفاف والهبوط.
قلة قليلة من الأعمال المصرية الدرامية يستحق الإشادة إذا ما جاء هادفا ومعبرا، أما الأعم الأغلب فهو يستحق الذم والمقاطعة لما يحمله من خطر داهم على المستوى التربوي والقيمي والاجتماعي.
منذ عامين تقريبا لم أسمع أو أكلف نفسي عناء البحث عن أخبار الدراما بشكل عام، فقد شدّنا آنذاك مسلسل باب الحارة السوري في طبعته الأولى والثانية التي لم نكن نجد وقتا لمتابعتها إلا بعد إعادتها عقب انقضاء شهر رمضان، وبعض المسلسلات الدينية والتاريخية الهامة، إلا أن الصدى الذي أحدثته بعض المسلسلات هذه الأيام مثل مسلسل عمر، ومسلسل فرقة ناجي عطا الله استفز فضولي للاطلاع على هذين العملين الفنيين اللذين يحمل أحدهما بعدا دينيا والآخر سياسيا.
عزمت على أن تكون فرقة ناجي عطا الله هي البداية، وخصوصا بعدما علمت أن موعد بثها يأتي مناسبا ما بعد الإفطار وما قبل أذان العشاء، وفي الوقت المحدد يوم الجمعة الماضية، وقبل الميقات المعلوم بلحظات انقطعت الكهرباء بشكل مفاجئ، وتبخّر معها ناجي عطا الله وفرقته الذي نفت عائلة عطا الله في فلسطين والمهجر أي علاقة تربطها به، وحينها أحسنا الظن بالأخ كنعان عبيد رئيس سلطة الطاقة وشركة الكهرباء، وخصوصا أن أحدا منهما لم يعلن مسئوليته عن تنفيذ العملية.
وفي اليوم التالي (السبت) أتيحت لي الفرصة لمشاهدة الحلقة السادسة عشر من المسلسل صاحب الصدى الذي يتحدث عن المقاومة والمقاومين، ويجترح الأمجاد والبطولات، ويلعب في ملاعب الكبار مثل (إسرائيل) وحزب الله... إلخ.
خلاصة مشاهدتي للحلقة أنني لم أجد إلا حلقة هزلية تشكل استخفافا بالعقل العربي، ومحاولة لتشويه قيم البطولة والتضحية والمجد التي شيدتها قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية عبر شلالات من الدم والعرق والدموع طيلة العقود الماضية.
فكرة المسلسل تحمل في طياتها سوءا مقصودا وخبثا بلا حدود، فهي تعرض العمل المقاوم وكأنه فعل بسيط بإمكان هاوٍ بسيط أن يمارسه دون عناء مع قليل من الفهلوة، وتلامس قضايا كبرى بكل سذاجة وسطحية، وأخيرا يأتي إقحام المال كهدف لعمل الفرقة في سياقات المسلسل لينسف فكرة المقاومة النظيفة في العقل والوجدان العربي، ويعمد إلى تشويه صورتها الناصعة عبر عمل درامي بالغ السخرية والهزل والإسفاف.
قد يصلح المسلسل لنوعية معينة من الناس الذين أدمنوا متابعة المسلسلات التافهة والهابطة والأعمال الفنية الهزلية القاتلة للوقت عديمة القيمة، لكنه –قطعا- لا يصلح أن يكون قِبلة للجادين والحريصين على تمثّل القيم التربوية والمجتمعية، الذين يبحثون عن الأعمال الفنية ذات الهدف السامي والذوق الرفيع.
مع التفاهة التي يحملها المسلسل يستطيع المشاهد الساذج أن يُمني نفسه بفرقة مماثلة لفرقة ناجي عطا الله لتحقيق بطولات لا حصر لها ضد (إسرائيل)، وقد يصل به الأمر إلى حد تخيّل تطوير الفرقة وزيادة عددها وتسليحها كي تكون أداة عسكرية فاعلة لتحرير فلسطين.
للأسف أصبحت بطولات الأمة وأمجاد المقاومة وتضحيات الشهداء مجرد "مسخرة في مسخرة" أو وسيلة للتندّر الأرعن والفكاهة العابثة ضمن هذا العمل الفني أو ذاك، ولا حلّ إلا عبر دخول رأس المال الهادف إلى عالم الفن من أوسع أبوابه لتدشين أعمال فنية متنوعة ذات مستويات رفيعة وقدرة تنافسية عالية بهدف مواجهة إعصار الميوعة والانحطاط الذي يجتاح الوسط الفني قدر الإمكان، وحرصا على عدم تلويث العقل والوجدان العربي بمزيد من التفاهة والسوء والإسفاف والهبوط.