قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: كي لا ننسى.. دلالات حريق الأقصى!

في ذلك الوقت الذي أقدم فيه الإرهابي الصهيوني مليكل روهان على إحراق المسجد الأقصى في الحادي والعشرين من آب/1969، كان الاحتلال في بداياته، وشكلت عملية إحراق الأقصى، تصعيداً خطيراً جداً كان يجب أن يحرك العالم كله وفي مقدمته العرب والمسلمون، الذين اكتفوا مع الأسف بإصدار البيانات الاستنكارية...!

وما بين ذلك الوقت واليوم، يكون قد انقضى على إحراق الأقصى ثلاثة وأربعون عاماً كاملة، تحول فيه المشهد المقدسي بالكامل، من مشهد فلسطيني عربي، إلى مشهد صهيوني مدجج بمعطيات وحقائق الأمر الواقع التي تتحدث بنصوص توراتية.

ونكاد نقول إن القدس تحت القبضة الصهيونية الاحتلالية بكاملها، وتحت وطأة الاجتياحات اليومية من قبل الجماعات اليهودية الإرهابية المحمية بجيش الاحتلال، بل وصلت الأمور إلى قلب الأقصى، وإلى المطالبة الصهيونية رسمياً- وبدعم من جهات أمريكية في الكونغرس- بتقسيم الأقصى زمانياً على نمط ما هو مطبق في الحرم الإبراهيمي الشريف، ما يعني أن الأقصى لن يكون عربياً إسلامياً، وأن هويته لن تبقى عربية إسلامية، وقد ينتقل ذلك بمعنى آخر أيضا إلى كنيسة القيامة، حيث قد تصعد سلطات الاحتلال هجومها التهويدي ليصل إلى هناك، وتدعي لاحقاً أن القيامة ليست مكاناً مقدساً للمسيحيين فقط، وأن لليهود آثاراً هناك تشرع لهم أداء صلواتهم هناك، وربما يتقاسمون المكان والزمان مع المسيحيين.. أيضاً.

وفي التفاصيل-للتذكير-، ففي الحادي والعشرين من آب عام 1969 أقدم الإرهابي مايكل روهان الذي مثل غلاة الحقد العنصري ضد العرب على إضرام النار في المسجد الأقصى في محاولة للنيل من هذا الصرح الإسلامي الخالد، حيث اندلعت النيران في ثلاثة مواقع بالقرب من المحراب والمنبر وبالقرب من النافذة العلوية وبين الأروقة، الأمر الذي يؤكد على تخطيط مسبق لتنفيذ هذه الجريمة.

وقد هب أهل القدس بإمكاناتهم القليلة آنذاك لإطفاء الحريق الذي شب في أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وسارعت أجهزة الإطفاء في الخليل وبيت لحم ومختلف مناطق الضفة الغربية إلى إنقاذ الأقصى حتى تم إطفاء الحريق بعد عدة ساعات، وتم إنقاذ الأقصى قبل أن تأتي النيران عليه بالكامل، وتضافرت الجهود لاحقاً في إعادة ترميم ما احترق منه.

ولم يكن الإرهابي روهان ليقدم على فعلته الإجرامية لو لم تتكشف قبل ذلك، تلك العقلية اليهودية التدميرية مبكراً جداً على نحو خاص بعد العدوان والاحتلال عام 67، حينما طلب الجنرال الحاخام شلومو غورن كبير حاخامات الجيش الصهيوني من الجنرال عوزي نركيس قائد المنطقة الوسطى – في يوم احتلال القدس واقتحام الحرم القدسي الشريف عام 1967،" العمل على نسف الصخرة والمسجد الأقصى للتخلص منهما مرة واحدة وإلى الأبد.

والحقيقة الساطعة الملموسة أيضاً أن الحاخام اليهودي غورن لم ينفرد بهذه العقلية التدميرية ضد الأماكن المقدسة، حيث إن عدد رجال الدين – الحاخامات – اليهود الذين شاركوه أفكاره ومعتقداته ونواياه أو ساروا عليها لاحقاً، ضخم وقد تزايد وفرخ أعداداً أخرى وأخرى على مدى سنوات الاحتلال.

فالنائب (الإسرائيلي) دافيد روتم أعلن "أنه علي استعداد لوضع المتفجرات تحت المسجد الأقصى لتفجيره ومحوه عن بكرة أبيه".

وأضاف في معاريف العبرية لافتا النظر إلى" إن النزاع (الإسرائيلي)-الفلسطيني ليس سياسياً ولا علي الأرض، إنما هو صراع بين الديانة الإسلامية، التي لا تريدنا هنا، والديانة اليهودية التي تريد إسرائيل نقية من المسلمين".

ويتكشف اليوم – أن من أبرز المفارقات العجيبة الغريبة التي تهيمن اليوم على المشهد الفلسطيني بعد 43 عاماً على إحراق الأقصى المبارك وبعد 45- على هزيمة حزيران واحتلال الضفة وغزة وسيناء والجولان، وبعد 64 وستين عاماً على النكبة، ما يتعلق منها بوضع المدينة المقدسة التي تحظى من دون غيرها –نظرياً وإعلامياً وسياسياً ودينياً وروحياً- بالإجماع العربي / الإسلامي على نحو خاص بأنها جوهرة الأمتين وعاصمتهما الدينية ودرّتهما، فهذه المدينة تواجه تحديات استراتيجية تهدد بضياعه بالكامل.

فتبين لنا معطيات المشهد المقدسي أن الذي يستثمر الزمن ويعمل على تغيير المعطيات ويبني حقائق الأمر الواقع هو الاحتلال الصهيوني الذي لا يكل ولا يمل عن مواصلة العمل من أجل ما أن يطلق عليه: "اختلاق (إسرائيل)" و"اختلاق قدس يهودية".

والواضح أن (إسرائيل) تستثمر سكرة العرب وانشغالاتهم في حروبهم الداخلية وتفككهم وعجزهم المطلق عن العمل الحقيقي"، كما تستثمر رضوخهم لـ"خيار ومؤتمرات السلام والتطبيع" من أجل إحكام قبضتها على المشهد المقدسي برمته إلى الأبد.

وما بين إحراق الأقصى واليوم، فما لم ينتفض الجميع من فلسطينيين وعرب لصالح إنقاذ القدس والأقصى، فإن الاحتلال لن يتوقف أبداً عن ابتلاع المدينة ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، ولن يتوقف حتى يقول الجميع: نشهد أن القدس يهودية، وإن الأقصى ليس عربياً إسلامياً خالصاً، ولليهود الحق في تقاسمه مع المسلمين، هذا إن لم تتطور الأمور إلى نسف ومحو الأقصى عن وجه الأرض...!

صحيفة العرب اليوم الأردنية

 

البث المباشر