قائد الطوفان قائد الطوفان

هل تنهي السلطة التبعية للاقتصاد الإسرائيلي؟

الاحتجاجات على غلاء الأسعار بالضفة
الاحتجاجات على غلاء الأسعار بالضفة

الرسالة نت - أحمد أبو قمر

اتفق متخصصان في الشأن الاقتصادي على أن بروتوكول "باريس" الاقتصادي المُوقّع مع الاحتلال عام 1994 هو السبب الرئيسي لتدهور الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية الذي نتج عنه موجة الاحتجاجات الغاضبة على غلاء المعيشة.

يذكر أن أهم نتائج اتفاقية "باريس" تبعية الاقتصاد الفلسطيني لنظيره (الإسرائيلي)، فلا تمتلك السلطة الفلسطينية الموانئ ولا سيطرة لها على المعابر والحدود وتجري جميع مبادلاتها التجارية مع العالم عبر (إسرائيل) التي تعتبر واقعيا أكبر شركاء السلطة الاقتصاديين فيما تعتبر السلطة أكبر شريك اقتصادي لـ(إسرائيل) بعد الشريك الأول.

وكذلك يرجع تدهور الوضع الاقتصادي إلى انحسار المنح والمساعدات المالية المقدمة للسلطة الفلسطينية من المجتمع الدولي، وغياب الحوافز والتشجيع على الاستثمار، وزيادة نفقات السلطة الفلسطينية رغم انخفاض الإيرادات وفرض مزيد من الضرائب.

بحاجة لإرادة

ورأى الخبير الاقتصادي نافذ أبو بكر أن السياسات المالية والاقتصادية الفلسطينية مرتبطة بعدة اعتبارات أهمها بروتوكول باريس، "والمتطلبات التي فرضها صندوق النقد الدولي على السلطة الفلسطينية فضلا عن إجراءات الاحتلال على أرض الواقع".

وقال أبو بكر لـ"الرسالة نت": "الاعتبارات السابقة أضعفت موقع السلطة في وأدت لتدهور اقتصادها شيئا فشيئا لينتج عن ذلك ما وصلنا إليه اليوم".

"

أبو بكر: غلاء المعيشة متواصل والضرائب تتزايد في حين يبقى الدخل محدودا

"

وفيما يتعلق بأسباب غلاء المعيشة بالضفة اعتبر أن الإجراءات (الإسرائيلية) الاقتصادية الأخيرة ضد الفلسطينيين التي كانت تهدف إلى التخلص من عجز الموازنة لديهم ورميها في أحضان الفلسطينيين أهم أسباب الغلاء.

وأضاف أبو بكر: "كذلك يمكن القول إن ارتفاع سعر الدولار الأمريكي وانخفاض قيمة الشيقل أديا إلى ارتفاع تكلفة الإيرادات وبذلك غلاء بالمعيشة فضلا عن الغلاء العالمي في السلع الدولية مثل المحروقات وغيرها".

وأشار إلى أن غلاء المعيشة متواصل والضرائب تتزايد، "في حين يبقى الدخل محدودا كما هو ولا تتعدى أغلبية الرواتب ألفي شيقل"، مبيّنا أن هذه المشكلة بحاجة لحل.

وعن كيفية الخروج من تلك الأزمة دعا الخبير الاقتصادي الحكومة إلى إلغاء الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة، "وتشكيل راتب للأسر الفقيرة"، مستبعدا قدرتها على رفع رواتب الموظفين في ظل عدم قدرتها على تأمين الراتب الأساسي.

ولفت إلى وجوب فك الارتباط بالاقتصاد (الإسرائيلي) تدريجيا، "وتفعيل العلاقات الاقتصادية الفلسطينية مع نظيرتها العربية مع توفير حماية للاقتصاد الفلسطيني من سياسات الاحتلال التخريبية".

وتساءل عن سبب رفع المحروقات في الضفة الغربية تيمُنا بما فعلته (بإسرائيل)، داعيا إلى خفض سعرها في أسرع وقت، "باعتبار أن الظروف عند الاحتلال تختلف عن الضفة".

وحذر من تصعيد موجة الغضب لدى فلسطينيي الضفة الغربية لمسّ الحكومة للقمة العيش، معتبرا ذلك أكثر ما يدق ناقوس الخطر، "ويجعل كل الخيارات مفتوحة أمام المواطنين".

تحذير !

المحلل الاقتصادي نائل موسى اعتبر بدوره أن ما يحدث بالضفة الغربية يأتي بفعل ارتفاع السلع العالمية وانخفاض قيمة الشيقل أمام الدولار وتزمت حكومة رام الله ومماطلتها في عدم النظر لمعاناة المواطنين ومطالبهم.

"

النائب منصور: نحذر من مغبة الاستمرار بالتعامل باتفاقية باريس الاقتصادية

"

وكسابقه حذّر موسى من مغبة تجاوز الأزمة حدّها، داعيا "رام الله" إلى تغيير سياساتها الحكومية في أسرع وقت للخروج مما يعاني منه المواطن الفلسطيني.

وتوقع أن تنقسم الأزمة الاقتصادية الحالية بالضفة إلى عاملين: أولا عامل خارجي يمكن السيطرة عليه، وثانيا عامل داخلي يحتاج إلى حنكة السلطة الفلسطينية للتخلص من الأزمة، "وإلا انعكست بالسلب عليها".

وأشار المحلل إلى أن موجة الاحتجاجات العارمة التي تجوب الضفة الغربية كانت جنيا لثمار السياسة الاقتصادية التي وضعتها السلطة الفلسطينية على مدار ثمانية عشر عاما.

وقال في حديث "للرسالة": "هي سياسات ارتجال تهدف لتجميع الناس حول السلطة وإسكات بعض الأصوات المرتفعة، ولم تعتمد على الذات.. كل ذلك دعا إلى البذخ والإنفاق في غير موضعه"، لافتا إلى أن سبب جميع ما يتعرض له الاقتصاد الفلسطيني من تدهور الاحتلال، "سواء أكان بصورة مباشرة أم غير مباشرة"، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة التخلص من التبعية الاقتصادية.

وتابع موسى: "يجب إعادة النظر في اتفاقية باريس التي فتكت بالاقتصاد الفلسطيني، ومنعت التجار من الاستيراد التصدير ما أثقل كاهلهم بالخسائر الفادحة".

واعتبر أن اتفاقية السلطة مع الاحتلال بعدم بيع المحروقات بالضفة بنسبة تقل عن 15% عما تباع في (إسرائيل) ظلم يستحق الاحتجاجات حتى النظر فيه وتعديله.

ونصح أخيرا بضرورة البدء بإصدار عملة خاصة بالفلسطينيين لعدم خسارة قيمة الريع التي تعود للبنك المركزي (الإسرائيلي)، مؤكدا أن الفلسطينيين أولى من غيرهم بها.

مطالبة بوقف الغلاء

أما النائب عن محافظة نابلس منى منصور فطالبت سلطة رام الله بأخذ دورها لوقف وتيرة ارتفاع الأسعار وتدني الحالة الاقتصادية للمواطن تبعا لذلك.

وأشارت في تصريحات صحافية إلى أن أول الخطوات المطلوبة منها مراجعة اتفاقية باريس الاقتصادية، "ووقف العمل بها باعتبارها السبب المباشر لما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية في فلسطين لأنها أبقت على تبعية الاقتصاد الفلسطيني لاقتصاد الاحتلال بفعل ما فرضته من قيود".

وحذرت منصور من مغبة الاستمرار بالتعامل باتفاقية باريس الاقتصادية التي سببت على مر السنوات الماضية وما تزال أضرارا فادحة في الاقتصاد الفلسطيني، لافتة إلى أن ارتفاع موجة الأسعار بصورة كبيرة جاء في وقت صعب وحرج لدى المواطن، "كبداية العام الدراسي وما يتبعه من التزامات", مشددة في الوقت نفسه على أن الحالة الاقتصادية تؤثر تأثيرا مباشرا على كل نواحي الحياة، "ومنها القطاع التعليمي الذي يعتبر الثروة الحقيقية للشعب الفلسطيني".

وناشدت النائب التجار للتخفيف عن المواطن قدر المستطاع والرأفة به حتى لا يكونوا جزءا من الحرب الاقتصادية التي يئن المواطن الفلسطيني تحت وطأتها.

تبعية للاحتلال

ولا غرابة أن يتأثر وضع الفلسطينيين كثيرا بالعلاقة مع (إسرائيل)، ففي سبعينيات القرن الماضي حين تمتع الفلسطينيون بحرية دخول كاملة إلى (إسرائيل) سجل الاقتصاد الفلسطيني نموا سريعا فاق ما سجله الاقتصاد المصري أو الأردني.

في حين أننا نجد مع رجوع السلطة الفلسطينية وارتفاع وتيرة المقاومة الفلسطينية خلال الفترة الواقعة بين (1990-1997) أنه قد أُغلقت المعابر جزئيا مع (إسرائيل) وأخذ أصحاب العمل (الإسرائيليين) يستعيضون العمالة الفلسطينية بأخرى أجنبية لتشكل هذه السنوات قسوتها على العامل الفلسطيني.

فيما شهدت الفترة ما بين (1997-2000) تأسيس الصناعة الفلسطينية خاصة أن المعابر قد أُعيد فتحها لتعود معدلات النمو السريع إلى أن جاءت الانتفاضة الثانية التي أدخلت المناطق الفلسطينية في حالة من الفوضى الاقتصادية الشديدة بالتزامن مع إغلاق الاحتلال للمعابر كليا وفقدان آلاف العمال الفلسطينيين أماكن عملهم في (إسرائيل)، وانهارت المصانع الفلسطينية بفعل الحصار الذي منعها من تسويق منتجاتها.

ونتيجة لذلك انكمش الاقتصاد بنسبة كبيرة وأصبح غالبية السكان تحت خط الفقر يعتاشون بدولارين يوميا، وأصبحت مناطق السلطة الفلسطينية من أكثر مناطق الشرق الأوسط فقرا، وانخفض متوسط دخل الفرد إلى ألفي دولار سنويا.

البث المباشر