لا يوجد أي صانع قرار في عالمنا العربي يحب الحقيقة المجردة أو التقييم المباشر لما يقول أو يفعل! صانع القرار سواء في السياسة أو الاقتصاد أو رؤساء الشركات في البزنس أو المشاهير من كتاب وفنانين ورياضيين يحبون دائما دغدغة مشاعرهم و«تدليل» الأنا العليا - وأحيانا - السفلى المتضخمة لديهم!
بعد صناعة قرار أو إلقاء كلمة أو تمثيل فيلم أو غناء أغنية أو إنهاء مباراة كرة قدم نحب أن نسمع إلى «رأي الآخرين» فيما أنجزناه.
«ورأي الآخرين» في التعريف الدولي هو تقييم من وجهة نظر أخرى يحتمل الصواب أو الخطأ ويحتمل الإطراء أو الانتقاد، ويحتمل أن يكون ودودا أو عدائيا. أما «رأي الآخرين» من وجهة النظر العربية فإنه من المتوقع حينما أسألك «وإيه رأيك»؟ نتوقع: «إيه الجمال ده.. إيه الحلاوة دي»!!
نحن نسأل الحلقة الضيقة المحيطة بنا، وهم في أغلب الأحيان إما أشخاص نحن نرأسهم وظيفيا أو يعملون لدينا، أو لدينا سلطة عائلية أبوية عليهم، كي نحصل على الإطراء والإعجاب منهم.
الإنسان العربي بطبعه لم يتربَ على قبول الآخر أو قبول الخلاف والاختلاف، ولكن على أحادية الرأي. وإذا كان الرأي أحاديا، فالأفضل - بالطبع - أن يكون معنا وليس ضدنا، يطري علينا ولا ينتقدنا.
وأذكر أنني شاهدت على مدار تجربتي المحدودة عدة مواقف تدور حول ذات الموقف على الرغم من اختلاف الزمان والمكان والأبطال.
المرة الأولى حينما انتهى العرض الأول لفيلم بطولة نجم كبير وشهير وذهبنا جميعا لتناول العشاء احتفالا بالفيلم، وما كان من «البطل» الذي يريد أن يحصل على نوع من «المساج المعنوي» إلا أنه طرح على أحد كبار النقاد السينمائيين سؤالا حول رأي الناقد في الفيلم.
ويبدو أن الناقد صاحبنا قد أثر عليه شراب عصير العنب «إياه» ففقد حاسة «النفاق العربي» المعتادة، فرد على الفور وبصوت عال: «فيلمك زي الزفت، والمخرج زي الزفت، وأنت يا باشا زفت في زفت»! وانقلب العشاء بالطبع إلى سرادق عزاء! والحالة الثانية حينما انتهى رئيس الوزراء في دولة عربية من مقابلته التلفزيونية على الهواء، وقبل أن تنتهي موسيقى نهاية البرنامج، نظر إلى أحد مساعديه وسأله: «ما هو رأيك في المقابلة؟»، ثم أضاف مبتسما: «بالتأكيد أنت سعيد لأنني أجهزت على المذيع بالضربة القاضية؟».
رد المساعد الشجاع: «لا يا سيدي، لقد مزقك المذيع تمزيقا لأنك تهربت من الإجابة على أي سؤال». النموذج الثالث الذي عايشته هو ما قام به جمهور كرة القدم مع أحد اللاعبين المشهورين حينما قابلهم صدفة أمام أحد المقاهي الشهيرة في وسط القاهرة وسألهم: «شفتم الحكم ابن الـ (...) اللي ما حسبش الجوون اللي أنا جيبته؟».
فما كان من الشباب إلا أن قالوا له: «جوون إيه يا كابتن انت متسلل يعني أوف سايد»!! الحقيقة أو الرأي الآخر أو النقد ليس من ثقافتنا.
بعض الحكماء الذين عرفتهم نصحني ليس كل الناس يصلحون لأن تصارحهم بالحقيقة، كل الحقيقة، ولا شيء غيرها!.