ما هي حقيقة موقع " تيك ديبكا "، (الإسرائيلي)، الذي تتنافس صحفنا ومواقعنا الإخبارية على تلقف ما ينشره من أخبار تقدم في الغالب على أنها " سبق صحافي " من الطراز الأول؟ فلكي تضفي هذه الصحف وتلك المواقع صدقية على ما ينشره هذا الموقع، ولكي تبرر تصديرها للمواد التي يسوقها، فإنها لا تتردد في وصفه بالموقع " الاستخباري "، أو الموقع المرتبط بأجهزة الاستخبارات (الإسرائيلية)، وكأن أجهزة الاستخبارات (الإسرائيلية) لا هم لها إلا الكشف عما لديها من معلومات سرية حصلت عليها بجهود مضنية، فقط لكي يحظى " تيك ديبكا " بنشرها.
فعندما يجتمع انعدام الجدية وغياب المهنية، وفي الوقت الذي يستريح الضمير، لدى المحررين الرئيسيين في صحفنا ومواقعنا الإخبارية، فإنهم يتخلون ببساطة عن أبسط الأسئلة التي يجب أن تسأل لدى التعامل مع الأخبار التي تنشر في وسائل الإعلام الأجنبية، وتحديداً (الإسرائيلية)، وعلى وجه الخصوص عندما يكون الحديث عن موقع لا أحد من القائمين على هذه الصحف وتلك المواقع يملك أية معلومات حقيقية عنه. فما هي حقيقة هذا الموقع " الاستخباري العظيم ".
عجوزان يفبركان الأخبار
لعلم محرري المواقع والصحف الفلسطينية فإن القائمين على موقع " تيك ديبكا "، هما عجوزان قد تجاوز كل منهما الخامسة والسبعين من العمر، أحدهما هو جيورا شمايس، والآخر هو (إسرائيل) أيرليخ، في حين أن التي تتولى تحرير الموقع باللغة الانجليزية هي ديانا شليم. وسبق لشمايس وأيرليخ أن خدما كموظفي علاقات عامة في دوائر دبلوماسية وقنصلية (إسرائيلية) في الولايات المتحدة وأوروبا. ويتبنى محررو الموقع مواقف يمينية متطرفة من الصراع العربي الصهيوني، ويتقاطعان مع اليمين المتطرف في (إسرائيل) وغلاة المحافظين الجدد في أمريكا. ومن يتصفح هذا الموقع يثير انتباهه أن الموقع يحتوي – لأول وهلة – على سبق صحافي تقريباً في كل مادة ينشرها. وأنا أقصد ما أقول عندما أقول – لأول وهلة – لأن الحديث في الواقع يدور عن فبركة متعمدة للأخبار حول تطورات لم تحدث، أو تقديم تصورات غير واقعية، ونسبها لمصادر استخبارية وعسكرية وسياسية مرموقة، دون أن يتم الكشف بالطبع عن مصدر المعلومات. وحتى تكون الحبكة تامة، فإن العجوزين الهاذيين يحرصان على تطعيم أخبارهما بمواد نشرت في الصحف الأمريكية، أو أنها وردت في كتب صدرت حديثاً، معتمدين على حقيقة أن المتصفحين لا يتمكنون في الغالب من متابعة ما تنشره دور النشر وكل الصحف. لكن منحى هذه الأخبار مفبرك في أساسه، لأنه دائماً يكون بالإمكان قول أي شئ في حال يتم النسب إلى مصادر غير معروفة. والمفارقة أن من يتابع ما ينشره الموقع يدرك ببساطة أن مواده تخدم الدعاية السياسية لليمين الصهيوني المتطرف، وفي الوقت ذاته تشكل دليلاً على ضعف إدارة الرئيس أوباما، بما يوفر مادة خصبة للجمهوريين لمهاجمة الإدارة الديموقراطية. فعلى سبيل المثال يحرص الموقع دائماً على تصوير أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران لا تؤتي أكلها وأن إيران تواصل برنامجها النووي بوتيرة عالية. وبشكل عام يتم تضخيم القدرات الإيرانية وقدرات حزب الله. ففيما يتعلق بحادثة تحليق الطائرة بدون طيار فوق صحراء النقب، سارع الموقع، ليزعم أن إيران قامت بإطلاق الطائرة بواسطة قمر صناعي، مع أن (إسرائيل) الرسمية لم تتمكن حتى الآن من تحديد هوية الجهة التي قامت بالفعل بإطلاق الطائرة. وفي الوقت ذاته، إن كان لدى إيران قدرات في مجال الفضاء على هذا النحو، فإن الأمر ينطوي على خطر لا يقل عن خطر البرنامج النووي، لكن الأمر يتعلق بالفبركة فقط.
ما يعرفه "ديبكا"
في (إسرائيل) هناك صحف كبرى لها تاريخ طويل في العمل الصحافي، ويعمل فيها عدد من كبار الصحافيين والمعلقين الذين يملكون شبكة علاقات مهنية وشخصية وطيدة مع النخب السياسية والعسكرية والأمنية، وبعض المواد التي نشرها هؤلاء أحدثت زلازل سياسية في (إسرائيل). ومع كل هذا التاريخ، فإن هؤلاء لم يجرؤوا على نشر مواد بنفس الجسارة التي ينشرها " تيك ديبكا " وذلك لسبب بسيط لأن هناك مسؤولية ومصداقية ولأن هناك جمهور مهتم بما تنشره هذه الصحف.
أما فيما يتعلق بـ " تيك ديبكا "، فإن أحداً في (إسرائيل) لا يولي لما ينشره أي اهتمام، وعلى الرغم من طابع الإثارة الذي تتسم به المواد المنشورة فيه، إلا أنه لم يسبق أن أحدثت ردة فعل سياسية أو جماهيرية في الكيان الصهيوني، لأنهم ببساطة لا يتعاملون مع هذا الموقع بأي قدر من الجدية.
ويأتي حرص محرري الموقع على نشر مواده باللغة الإنجليزية لأنه يتلقى دعما ماليا سخيا من جهات أمريكية يهودية، على اعتبار أن المواد التي تنشر باللغة الإنجليزية تخدم الخط الدعائي للوبي اليهودي، الذي يسعى دائماً لتقليص هامش المناورة أمام الإدارات الامريكية وتصويرها على أنها لا تتخذ الإجراءات اللازمة لخدمة المصالح الأمريكية في المنطقة وتعرض أمن (إسرائيل) للخطر من خلال بلورة سياسات ضعيفة.
قليل من المسؤولية
أن الوظيفة الأسمى لوسائل الإعلام في نظام تعددي حر هو ضمان حق الجمهور في المعرفة. وبكل تأكيد المعرفة المستندة إلى حقائق وليس إلى فبركات وتهريج. فليس قدراً أن تتحول صفحات جرائدنا ومواقعنا الإخبارية إلى حاويات لنفاية للإعلام (الإسرائيلي) في نسخته الأسوأ، على غرار " تيك ديبكا ".