أيقظت "أم محمود" زوجها باكراً للتوجه إلى عمله، وقبل ذلك أبدت رغبتها في تناول "الفلافل" على طعام الإفطار.
استبشر (أبو محمود أبو العيش) خيراً بطلب زوجته، وخطابها ساخراً: "صباحنا فل"، ومن ثم اصطحب ابنته الصغيرة ذات الخمسة أعوام وتوجه بدراجته النارية "التوك توك" إلى المحل المعتاد "حمدي للمأكولات الشعبية".
أوشك الرجل ذو الجسد النحيف أن يصل المحل المقصود، وإذ بصغيرته من الخلف تنادي: "بابا بابا من عند حمدان".
و"حمدان" للعلم؛ هو محل للمأكولات الشعبية أكثر شهرة من نظيره "حمدي" في منطقة سكن أبو محمود بـ "الهوجا" شمال قطاع غزة، ويبعد عنه مسافة 100 متر فقط.
وما كان من الرجل "المطيع" إلا أن استجاب للصغيرة ليقضي رغبتها وأمها، ولم يدر في خلده أن يدفع ثمن ذلك باهظا.
هناك؛ أوقفت دورية من شرطة المرور أبو محمود؛ للتأكد من سلامة أوراق الـ "توك توك"، وإذ به يقوده بلا ترخيص، ورخصته تبقَّى على صلاحيتها شهرين فقط !
لم يدع الرجل للشرطة مجالاً سوى سحب الـ "توك توك" لمخالفته قوانين السير، وقتها رفض أبو محمود الانصياع للأوامر كونها المرة الثانية التي تسحب فيها دراجته النارية.
اضطرت الشرطة –بالقوة- إلى مصادرة الـ "توك توك" وصاحبه لمركز الأمن، وهناك بدأت معركة أبو محمود "الخروج بأقل خسائر".
يروي أبو محمود لـ "الرسالة نت" الموقف، قائلاً: "ذهبت لشراء الفول والفلافل مع ابنتي الصغيرة على التوك توك، فأوقفتني شرطة المرور وطلبت منى الأوراق ولم تكن معي فنصحوني بإحضارها".
وأضاف: "لم استجب للنصحية فتسمرت مكاني ورفضت التحرك ظناً مني أنها حيلة لسحب التوك توك بعد ذهابي لإحضار أرواقي".
ويشير أبو محمود إلى أنه رفض إعطائهم مفاتيح الدراجة النارية، بعدما اتعظ من موقف سابق سلَّم فيه مفاتيح التوك توك ليفقدها رجال الشرطة حينذاك ويجبروه على إيجاد أخرى "بديلة".
وأوضح أنه جرى حجزه في مركز الشرطة من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الواحدة ظهراً؛ لرفضه إعطائهم مفاتيح التوك توك والسير بدون ترخيص.
ويكمل: "توسَّط لي ضابط بالخروج لإتمام وتصحيح أوراق السير ثم العودة لأخذ الدراجة النارية، فتوجهت إلى محافظة الشمال ودفعت مبلغ 200 شيكل لتجديد الرخصة، ثم توجهت للحصول على ترخيص للتوك توك ودفعت مبلغ 370 شيكل".
وذكر أبو محمود أنه توجه لاقتراض مبلغ 100 شيكل من المكاتب المجاورة لمركز الشرطة بعدما رهن عندهم بطاقته الشخصية "الهوية"، كونه لا يحمل في جيبه سوى 270 شيكل، بيد أن أحداً منهم لم يقرضه.
يقول: "بدأت بالتذمر وأخذت عجلة التفكير برأسي تدور، وأتساءل: كيف سأكمل المبلغ المطلوب؟!".
وأثناء ذلك؛ إذ برجل "غريب" لفت نظره ارتباك أبي محمود وحيرته، فتوجه إليه وسأله عن السبب، فشرح له الأخير قصته بالتفصيل.
يذكر أبو محمود أن "الغريب" أقرضه الـ 100 شيكل وتعهده بالسداد بعدما تعرَّف عليه، ثم سارع لإكمال معاملاته، وزاد على المبلغ المذكور 30 شيكل لإنهاء الأوراق جميعها.
بعد هذا العناء كله، علَّق أبو محمود على ذلك ساخراً: "600 شيكل لأجل قرص فلافل!".
تجدر الإشارة إلى أن أبي محمود يبلغ من العمر 37 عاماً، يعمل على "توك توك" في محل تأجير مستلزمات الأفراح الذي يعود لشقيقه، ويأخذ "يومية" 20 شيكل فقط، ولديه 8 أطفال أكبرهم محمود -14 ربيعاً-، وقد أقدم على شراء الدراجة النارية بعدما أخذ قسطاً من ابن خاله وسدده خلال ثمانية أشهر.
يعيش أبو محمود هو وعائلته في بيت صغير مكون من غرفتين وحمام ومطبخ صغيرين.
قصة أبو محمود لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبقها قصة أبو إيهاب الذي دفع مبلغ 700 دولار ثمن "صحن حمص" بغزة.
وتتلخص مجريات القصة في أن التاجر أبو إيهاب ذهب ليشتري صحن حمص. وجاءه اتصال أثناء وقوفه في الطابور من أحد زبائنه ليعطيه مبلغا من المال ثمن بضاعة، فخرج لكي يأخذ المبلغ من الزبون ورجع إلى مكانه وبعد أن حالفه الحظ –من شدة الازدحام- تمكن من الحصول على صحن الحمص.
مد أبو إيهاب يده إلى جيبه وأعطى صاحب المطعم ثلاثة شواكل ثمن الصحن الذي حصل عليه ثم عاد إلى منزله, ليفاجئ بفقدان المبلغ الذي أخذه من الزبون الذي سقط منه أثناء دفعه لصاحب المطعم ثمن صحن الحمص الذي كلفه 2500 شيكل !
ومن قصتي الرجلين سالفتي الذكر، نرى أنفسنا أمام معادلة غريبة بعض الشيء، فطلب أرخص المأكولات بغزة "الفلافل والحمص" كلَّف أولئك المال الكثير !