قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: أما كانت مصر أولى بذلك؟

الزيارة التى قام بها أمير قطر لغزة فى محاولة منه لكسر الحصار عنها مبادرة كريمة تستحق منا الإشادة والثناء والتقدير، وقد كنت متوقعاً فى الحقيقة أن تحدث.

هذه الزيارة وتلك المبادرة من الرئيس محمد مرسى، لكن لم تحدث، وللأمانة أعتقد أنه فى قرارة نفسه كان يتمنى ذلك، لكن الصلة المعروفة بين الإخوان المسلمين وحماس التى تحكم غزة منعت الرئيس فيما أعتقد من القيام بذلك، خوفاً من الهجوم عليه فى الداخل من جماعة أعداء النجاح، وأعداء التضامن العربى والإسلامى، وهذا الشعور منع الرئيس كثيراً من اتخاذ كثير من القرارات فى مصلحة مصر والعرب.

وأنا أعتقد أن وزير الخارجية الحالى فى الحقيقة وزير بلا فاعلية سياسية، فمنذ اعتلائه سدة وزارة الخارجية لم نر له مبادرة واحدة إيجابية شخصياً أو يشير بها على الرئيس عكس سلفه، الذى أنجز جزءاً من الاتفاق الفلسطينى فى شهر واحد حتى إن بعض الناس كان يقول إن هذه المبادرة كانت سبباً فى تركه وزارة الخارجية إلى الجامعة العربية، خوفاً من مبادرات أخرى على ذات المستوى.

بل يمكن أن يقال إن الخطأ فى صياغة الخطاب المرسل من الرئيس مرسى إلى الرئيس الإسرائيلى بشأن تعيين السفير المصرى الجديد يمكن أن يسند إليه، لأنه ليس معقولاً ولا مقبولاً أن خطاباً سيوقعه الرئيس لا يقوم وزير الخارجبة شخصياً بمراجعته قبل إرساله أو عرضه على الرئيس وأقل ما يقال فى هذا الشأن أنه حتى لو كان الخطاب، كما يقال، روتينى فإن الظروف الحالية بين مصر وإسرائيل لا تسمح بهذه اللهجة شديدة الودية والتعاطف، ولا يمكن أن يخاطب الرئيس مرسى رئيس الحكومة الإسرائيلية بذات اللهجة، التى كان يخاطبه بها حسنى مبارك، الكنز الاستراتيجى لإسرائيل.

ولو أن وزير الخارجية لديه حس ثورى وعاطفة ثورية لما سمحت له بصياغة الخطاب بهذه اللهجة ولكن لأنه يشعر بأن الأمور كما هى لم يتغير شىء فيها، فإن من وجهة نظره لا داعى لأى تغيير فى لهجة الخطابات بين مصر وإسرائيل.

بعد الثورة تتضرر إسرائيل من عدم ذكر الرئيس لها فى أى خطاب ألقاه على كثرة هذه الخطابات إن وزير الخارجية الحالى لا نلمس له أثراً على علاقات مصر الخارجية المؤثرة فى حياة مصر السياسية والاقتصادية، فلم نلمس له مثلاً أى أثر فى علاقة مصر بإيران البلد المحاصر، الذى يتوق شوقاً لإقامة علاقات اقتصادية وسياسية مع مصر، هل يمكن أن يقول لنا وزير الخارجية سبباً واحداً مقنعاً لإستمرار قطع هذه العلاقات مع إيران بعد الثورة، وما مصلحة مصر فى الخسائر الناجمة عن ذلك فى المجال الاقتصادى، المليارات الإيرانية تريد الحضور إلى مصر دون شروط، فلماذا نمنع ذلك، ولمصلحة من يتم هذا المنع؟

أوليست مصر الشقيقة الكبرى أحق بأن يقوم رئيسها بأول زيارة لمسؤول عربى لغزة كسراً لهذا الحصار الظالم، الذى تفرضه إسرائيل وحلفاؤها على غزة، علماً بأن شعوب العالم متعاطفة مع هذا القطاع، الذى طال الحصار عليه؟!

مصر الثورة تهدم الأنفاق التى تمد قطاع غزة بالضرورى لاستمرار الحياة، لكن كان يجب قبل ذلك فتح المعابر بصورة طبيعية بينها وبين قطاع غزة وأنا أقول إنه لو تم فتح المعابر بصورة طبيعية لما كان الناس فى غزة وفى مصر بحاجة إلى الأنفاق، وفى هذه الحالة يتم ضبط التعامل بين القطاع ومصر شأنه شأن باقى دول الجوار المصرى ليبيا والسودان مثلا.

لقد نشرت إسرائيل خطاب السفير المصرى لديها ، لكى تقول للناس إن الرئيس المصرى ليس كما يحاول الظهور كارهاً لإسرائيل، بل هو فى الحقيقة صديق لها، وهو فى طريقه لأن يصير كنزاً استراتيجياً لها مثل سلفه، وهذه سبة كبيرة فى حق الرئيس المصرى يجب أن يرد عليها، وأن يحاسب من قام بكتابة هذا الخطاب، ولا يسمح لمن عرضه عليه بأن يعرض عليه شيئاً آخر، لأنه غير أمين فى العرض.

مصر حقاً فتحت معبر رفح لأمير قطر عكس ما كان يحدث من الرئيس المخلوع أو المجلس العسكرى، وسمحت بمرور بعض السلع، التى كان القطاع فى حاجة إليها وهو أمر جيد، وإن كنت أعتبره طبيعياً كان يجب أن يحدث منذ زمن طويل من الثورة لكنه تأخر كثيراً فى عهد الرئيس مرسى، وأول ما يجب الحرص عليه هو أن يستمر المعبر مفتوحاً، ولا يغلق أبداً مهما كانت الأسباب، لأنه شريان حيوى بالنسبة للقطاع، ومفيد اقتصادياً بالنسبة لمصر التى تخسر مليارات الدولارات سنويا جراء غلق المعبر.

نريد يا سيادة الرئيس مبادرة جريئة لعودة العلاقات التجارية مع إيران إذ إنه لا يقبل ألا تكون هناك رحلات طيران مع إيران فى حين أن دولة الإمارات العربية المتحدة، التى بينها وبين إيران خلافات عميقة إذ تحتل إيران ثلاث جزر منها طمب الصغرى والكبرى وأبوموسى. لم يمنعها ذلك من التبادل التجارى والسياسى، يجب أن تكون مصلحة مصر وشعبها هى رائدها فى المرحلة المقبلة وإلا استمر الوضع السيىء للاقتصاد المصرى على ما هو عليه، وهذا ما يفقد الثورة معناها ويسهل الانقضاض عليها.

البث المباشر