من الواضح أن أمن (إسرائيل) القومي سيبقى من دواعي القلق الرئيسية ليس لها فحسب، بل ليهود العالم، وكثير من أصدقائها وحلفائها، لأن لديها كل الأسباب لأن تكون ضجرة من أعدائها الذين لديهم الوقت، وأثبتوا أكثر من مرة بأنهم سيبقون ملتزمين بتدميرها قولاً وفعلاً.
وكل ذلك يعني أن تبقى قوتها العسكرية العامل المركزي لحفظ أمنها القومي، رغم عدم توفر عمق إقليمي لها، وبالتالي يعتمد أمنها على السلام مع الدول العربية، ويجب أن تستغل الآن قوتها العسكرية الهائلة لضمانه، مهما بدا ذلك محيّراً.
هذا التخوف يجعل (إسرائيل) عقب الانسحاب من الضفة الغربية أكثر عرضة للهجمات الصاروخية من الجبال المطلة على سكانها والمراكز الصناعية في الشريط الساحلي تحتها, مما سيجعل الدفاع عنها أمراً مستحيلاً، وإذا نصبت أنظمة أسلحة حديثة في جبال الضفة، فإن عرض (إسرائيل) الحالي في الجزء الأوسط سيتقلص من 40-55 ميلاً إلى 9-16 فقط، رغم معارضة مئات الخبراء العسكريين الصهاينة لهذا القول.
وهنا تبدو المطالبة بإجراءات أمنية تحفظ استقرار (إسرائيل) في المنطقة، أمراً بالغ الأهمية والخطورة، كتمركز قوة سلام دولية تحت قيادة الولايات المتحدة على طول الحدود مع الأردن، تكون مجهزة بإمكانيات وقدرات تعزيزية، والأهم أن قوة الردع العسكرية (الإسرائيلية) بإمكانها أن تمنع أي إخلال بأية اتفاقية مع الفلسطينيين.
وبالنظر للتكنولوجيا العسكرية المعاصرة وانتشار الصواريخ القصيرة والمتوسطة الأمد، التي يتراوح مداها بين 3-100 ميل، بحوزة حماس وحزب الله، بإمكانها، وبصرف النظر عن أماكن نصبها، أن تضرب أي تجمع سكاني في (إسرائيل)، ما يعني أن إمكانياتها، وقدراتها على الرد على أي هجوم، وحجم الخسائر الفادحة التي بإمكانها أن تسبّبه، كفيلة بأن تقنع الأطراف الأخرى المعادية لها بعدم استفزازها.
ويتساءل الخبراء العسكريون (الإسرائيليون): لماذا امتنع الفلسطينيون في الضفة الغربية وحماس في غزة من استفزاز (إسرائيل) بشكل جدي وخطير؟ ويزعمون بأن الجواب هو أنهم عانوا من العمليات العسكرية الصهيونية الضارية في الانتفاضة الثانية عام 2000، وحزب الله عام 2006، وحماس في 2009، حيث لم تتعافى جميعها حتى الآن من التدمير الذي عانوه، وبالتالي فإن إعادة استفزاز (إسرائيل) عسكرياً يعني بالنسبة لهم "الانتحار"!
وهذا هو السبب الذي جعل السلطة الفلسطينية تتخلّى عن العنف، وتسعى لتحقيق أهدافها السياسية بالوسائل السلمية، وهو سبب الهدوء النسبي السائد في الضفة الغربية.
ورغم أن (إسرائيل) كقوة عسكرية لن تتمكن أي دولة عربية بمفردها أو مجموعة من الدول على مدى المستقبل المنظور أن تتغلب عليها عسكرياً، وإذا حاولت ذلك، فإنها تعرض وجودها للخطر، ولم تكن (إسرائيل) في تاريخها أقوى عسكرياً ممّا هي عليه اليوم.
لكن من الضروري ألاّ تستغلّ هذه القوة العسكرية الهائلة سوى لأغراض الردع أو الدفاع أو شن هجوم فقط في حالة تعرّض أمنها للخطر، لهذا السبب لا تستطيع أن ترهن أمنها لأطرافٍ ثالثة، وعليها أن تبقى دائماً يقظة وقوية، ومستعدة في أي وقت لاتخاذ أي إجراء عسكري مشروع يتضح بأنه ضروري لضمان بقائها.
وبإمكان مثل هذه القوة العسكرية حال أن تُستخدم، بل يجب أن تُستخدم للتواصل مع الفلسطينيين وبقية الدول العربية من مركز القوة، وإلاّ ما فائدتها إن لم تدفع بالسلام للأمام، لأن التخوف الحقيقي يكمن في ازدياد عزلة (إسرائيل) يوماً بعد يوم، وتحوّلها تدريجياً إلى دولة عسكرية، يتقلّص أصدقاؤها وحلفاؤها بسرعة.