قال تعالى : (قلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) [الأنعام : 11]
انتهت الانتخابات الأمريكية ، ولم يأخذ إظهار النتيجة إلا عشرين دقيقة أو أقل ، حيث بدأت تظهر النتيجة من الساعة السادسة صباحاً ، حتى أعلن عن فوز أبي حسين باراك أوباما في الساعة السادسة والثلث صباحاً على توقيت فلسطين المحلي .
لقد فاز أبو حسين باراك أوباما لأنه ركز في دعايته على إصلاح الشأن الداخلي للولايات المتحدة الأمريكية ، خاصة الوضع الاقتصادي المتدهور ، خاصة بعد الحروب التي أنشأتها حكومات الجمهوريين السابقة ، والتي كبدت الشعب الأمريكي المليارات ، ولذا كانت دعاية الرئيس أوباما في المرحلة الأولى أنه يريد أن ينسحب مما ورطنا به الجمهوريون من أوحال الحروب ، والتي أنهكت ميزانيات كل ولايات أمريكا دون استثناء ، وبدأ انسحابه من أفغانستان ، وهاهو يحاول خلال السنة الحالية أن ينسحب من الوحل العراق والذي عاد على الولايات المتحدة الأمريكية بالكره من كل موحد بالله ، وكل شعوب الأمة الإسلامية عرباً وعجماً.
وفي دعايته الانتخابية للمرحلة الثانية قال رداً على سؤال وجه إليه من المناظرين له من الجمهوريين وأنصارهم ، أنه وعد أن يحل مشكلة البطالة ، إلا أنه لم يحدث شيء ، ولم يشعر المواطن الأمريكي بتحسن في الشأن الاقتصادي !!! فإذا به يقول : نعم لم يشعر المواطن الأمريكي بتحسن في هذه المرحلة ، لأننا كنا نرمم ما قد أتلفه الجمهوريون ، وخربوه في المنظومة الاقتصادية ، والآن سوف يرى المواطن التحسن في الوضع الاقتصادي ، وعدم رفع الضرائب التي أرهقت كاهل المواطن الأمريكي .
هذا الذي جعل الشعب الأمريكي على اختلاف توجهه أن يعطي أبا حسين باراك أوباما الفرصة الثانية ليحكم أمريكا ، لعله يحسن الوضع الاقتصادي الذي أنهكته الحروب الأمريكية غير ذات الجدوى ، والتي كانت لمصالح أصحاب رؤوس الأموال من أصحاب الشركات الكبيرة والرأسمالية العظيمة ، خاصة النفطية والغازية والخاماتية .
فهذا درس عظيم لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، إن الشعوب تؤيد من يحنو عليها ، ويشعر بشعورها ، ويحاول أن يجد له مخرجاً من أزمات أحاطت بها من كل جانب وناحية .
فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد ركزت على الماديات دون المعنويات ، فنحن في منطقتنا الشرق أوسطية مازلنا نحافظ على معنوياتنا ، ومستعدون أن نضحي بالغالي والرخيص من أجل الحفاظ على المعنويات خاصة التي تحوم حول الدين والمعتقدات ، ونعتبر أن المقدسات من هذه المعنويات التي أصبحت مقدسة بحكم إلهي ، فالذين يحافظون على المعنويات وعلى رأسها الدين معتقدات ومقدسات هم المؤتمنون على ما يخص الأمة من ماديات وغيرها . وأما الذين يفرطون في المعتقدات والمقدسات فهم غير مؤتمنين على أي شيء .
وبلادنا فلسطين مقدسة بتقديس الله سبحانه وتعالى ، ومباركة بمباركة الله سبحانه وتعالى قال تعالى : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الإسراء : 1] وقال تعالى في شأن نجاة سيدنا إبراهيم ولوط عليهما السلام : (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء : 71] ، ولهذا من الذي يستطيع أن يفرط في الأرض التي باركها الله سبحانه وتعالى ، وبارك ما حولها لأجلها ؟!!! وإن ما أدلى به محمود عباس أبو مازن من تصريحات تنم عن انهيار عقدي ووطني وخلقي ، وخيانة عظمى تستأهل أن يحاسب عليها ، ولا كرامة للذي يفرط في ميراث الأنبياء ، وعهدة الشهداء ، ووصية الأسرى والجرحى ، وأنات الثكالى ، وصرخات الأطفال والكبار والدبابات الصهيونية تدوسهم بجنازيرها ، وتطحن عظامهم بحديدها وتحرق هياكلهم بنيرانها .
ولما رأى عباس أن مثل هذه التصريحات للقناة الثانية الصهيونية في ذكرى وعد بلفور المشئوم ، يظن أنه يحق له أن يصرح كما يشاء ويزعم أنه رأي شخصي لا يعبر به إلا عن نفسه ، وليس عن ما يحتفظ به شعبنا الفلسطيني من حب لأرضه واشتياق لها . أنت تزعم أنك رئيس سلطة فلسطينية ، ورئيس منظمة التحرير (التخرير) الفلسطينية ، ورئيس اللجنة التنفيذية ل م.ت.ف. ورئيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ، فليس لك ولا لأي ممن يتسنم منصباً أن يتكلم دون مراعاة لشعور شعبه ، وحقه في أرضه التي أخرج منها بالقوة ، وأن يعطل قرارات هيئة الأمم المتحدة التي اتخذت منذ 1947م إلى الآن .
فحق العودة محفوظ ، ومقدس ، جماعي وفردي ، ولا يحق لأحد مهما كان التنازل عنه . خذ العبرة مما حصل مع الذين لم يحفظوا حق شعوبهم وبددوا أموالهم تحت حروب لم تجر إلا الخزي والعار والدمار لأمريكا كلها ، والكره والغضب عليهم من كل أحرار الأرض . قال تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) [النمل : 69]