لا يخلو شعب من الشعوب من حفنة من الدخلاء والمارقين الذين تعرّوا من القيم والأخلاقيات الوطنية وتسربلوا بأردية القذارة السياسية والانحطاط الأخلاقي.
من الحكمة دوما تجاهل هؤلاء الذين لا يعنيهم مصلحة شعبهم بقدر ما تعنيهم مصالحهم الذاتية، فهم لا يستحقون المداد الذي نرسم به مبنى المعاني وحروف الكلمات، فكلماتنا أجدر بأن تذهب إلى مستحقيها، وأحقّ أن تنطلق في الاتجاه الصحيح الخادم لمصلحة شعبنا ووطننا وقضيتنا.
لكن وضاعة بعضهم من الذين يتصدّرون تمثيل شعبنا وقضيتنا في الخارج في غمرة الحرب الشرسة والعدوان الغاشم الذي صبّ براكين حممه على شعبنا استفزت كل وطني غيور، أعادت إلى الواجهة أولئك النفر القلة الذين يقتاتون على دمائنا ولا يجدون حرجا في ربط مصيرهم بمصير عدونا واستمداد العون والنصرة منه في مواجهة أبناء شعبهم وقضيتهم.
نموذج اليوم يشكل تكرارا سمجا واستنساخا خبيثا لسائر نماذج التعاون الأمني مع الاحتلال التي أباحت قتل أبناء شعبها وسفك دمائهم تحت ذريعة الالتزامات الأمنية مع الاحتلال، وهي نماذج تجاوزتها الأحداث، وطوتها صفحة الانتماء الوطني والأخلاقي، وتذوي وتذبل من حياة شعبنا العظيم يوما بعد يوم.
لم تعترينا المفاجأة لما نشرته صحيفة هآرتس (الإسرائيلية) بتاريخ 21/11/2012م نقلا عن السفير (الإسرائيلي) في ألمانيا الذي زود وزارة خارجيته بخبر ثمين عن فحوى المكالمة الهاتفية التي أجراها مع سفير السلطة الفلسطينية في ألمانيا صلاح عبد الشافي، والتي دعا فيها عبد الشافي حكومة الاحتلال إلى اتخاذ قرار باجتياح قطاع غزة والقضاء على حماس وتدمير المساجد والمكتبات لأنها تحوي أسفلها الأنفاق، واعتقال رئيس الوزراء إسماعيل هنية ود. محمود الزهار بملابسهما الداخلية.
من الأسف أن المدعو صلاح عبد الشافي هو نجل الرمز الوطني الكبير د. حيدر عبد الشافي، وحين يُذكر د. حيدر عبد الشافي تُذكر المآثر الوطنية ونستحضر جميعا العطاء الوطني الفياض للفقيد الكبير الذي ضحى بعنفوان من أجل رفعة وطنه وقضية شعبه، ورفع راية الدفاع عن مبادئه الوطنية والأخلاقية حتى الرمق الأخير.
أهل يُنبت الورد شوكا؟.. بلى، فالأدلة العملية والشواهد الواقعية تمنحنا إجابة يقينية عن طبيعة النفوس البشرية التي قد تسمو في وطنيتها وحرصها على قضية شعبها من جانب، وقد ترتكس وتهبط إلى أسفل سافلين من جانب آخر.
موقف المدعو صلاح عبد الشافي لا يعبر عن موقف فردي معزول، بل إن موقفه المتجرد من كل قيمة وطنية وأخلاقية يشاركه فيه حفنة من الدخلاء والمارقين والحاقدين الذين بلغت بهم عداوتهم الفجة لحماس حدّ استمطار النصرة من الاحتلال المجرم، واستطابة كل ما يبتدره الاحتلال من جرائم وموبقات بحق شريحة واسعة من أبناء شعبهم لم يرَ منها شعبنا في الحرب الأخيرة إلا سلوكا قويما وخيرا عميما، ولم يعهد عليها إلا البلاء الحسن والتضحيات الهائلة والحرص الكبير على أمن الوطن وسلامة الشعب وخدمة القضية.
موقف المدعو صلاح عبد الشافي لا يخرج عن نطاق الجريمة السياسية والتحريض الأعمى، وأجدر أن يتابع سياسيا وقانونيا عبر عزله من منصبه وتقديمه لمحاكمة عادلة كي يلقى جزاءه الرادع ويكون عبرة لمن يعتبر.
الكرة الآن في ملعب الرئيس "أبو مازن" أولا وأخيرا بحكم صلاحياته التنفيذية ومسؤولياته الوطنية الكبرى، ولا ريب أن مدى تعاطيه مع هذه الجريمة يشكل بارومتر اختبار حقيقي لقياس مدى جديته وتفاعله مع القضايا الوطنية الكبرى خلال المرحلة المقبلة.
وبين يدي جهود المصالحة المرتقبة لا يسعنا إلا التأكيد على أن استعادة الوحدة الوطنية والتوافق الداخلي ستكنس كل الدخلاء والمارقين عن قيم وأخلاقيات شعبنا، وستلقي بهم حتما في مزابل الوطن والتاريخ.