بعد خروج الاحتلال مهزوما من جولته العدوانية الأخيرة على غزة وهو يتجرع مرارة الفشل وإدراكه أنّ من المستحيل عليه هزيمة مقاومة يحتضنها شعبها، ووصوله لقناعةٍ أكبر بالتسليم للواقع الجديد الذي فرضته قوى المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس، بدأت تظهر مخاوف (إسرائيلية) من تداعيات هذا الواقع الجديد وتحديدا على وضع السلطة الوطنية في الضفة الغربية ، فهل تخشى (إسرائيل) سقوط السلطة وتعاظم قوة حماس خلال المرحلة المقبلة؟
وكان وزير الحرب (الإسرائيلي) إيهود باراك قد حذر من مغبة اعتماد نظرية "النبوءة التي تحقق ذاتها" بشأن سقوط السلطة الفلسطينية وحلول حركة المقاومة الإسلامية "حماس" محلها.
وقال باراك في تصريحات لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية: "هذه النظرية من شأنها أن تجعل (إسرائيل) تهدر الفرص"، مشيرا إلى أن تبني القيادة (الإسرائيلية) نظرة تشاؤمية تقضي بحتمية التأريخ قد تدفعها إلى حالة من الشلل والعجز عن رسم ملامح الواقع.
خوف وانهيار
(إسرائيل) تخشى اعادة احتلال الضفة الغربية من جديد والقضاء على مشروع التنسيق الأمني الذي تتعاون به مع سلطة رام الله ما يهدد أمنها ، فالسلطة اليوم تعيش في مأزق سياسي متواصل لاسيما مع التطورات التي شهدتها الساحة السياسية الفلسطينية في الآونة الأخيرة، هذا ما أكده مختصون بالِشأن (الإسرائيلي) خلال حديثهم لـ"الرسالة نت".
المختص بالشأن (الإسرائيلي) حاتم أبو زايدة يرى أن انتصار غزة فرض معادلة جديدة لدى الشعب الفلسطيني مفادها أن المواطن بات على قناعة تامة أن وجود السلطة بالضفة يعني التغطية على جرائم الاحتلال، قائلا: "الحكومة اليمينية (الإسرائيلية) تخشى انهيار السلطة الذي يعني حلول حماس مكانها".
المختص (الإسرائيلي) سمير عوض يقول: "مع تسليم (إسرائيل) بواقع غزة الجديد؛ فإن معركة (إسرائيل) الحقيقية ستكون على أراضي الضفة والقدس، قائلا:" الضفة تعيش الآن لحظةً فارقة، توجب التوحّد وصياغة استراتيجيةٍ سياسيةٍ وطنيةٍ كفاحية تزاوج بين السياسي والمقاوم، وتتسع لكل أطياف وفئات الشعب الفلسطيني، من أجل محاصرة الاستيطان وهزيمته، وتعميق عزلة (إسرائيل) ومحاكمة سياساتها ومجرميها".
تخشى المقاومة
وفي ذات السياق قال رئيس الدائرة السياسية بوزارة الجيش عاموس جلعاد لموقع ويللا العبري: "لا يوجد مؤشرات على اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية بعد حصول فلسطين على صفة دولة مراقب بالأمم المتحدة".
ويعلق أبو زايدة قائلا: "وضع السلطة بالضفة الغربية سيء للغاية في ظل تواصل انسداد نهج التسوية الذي تؤمن به".
"فيرى: الانتفاضة الثالثة باتت على الطريق بالضفة
"
أما المختص في الشأن (الإسرائيلي) عوض فيرى أن الانتفاضة الثالثة باتت على الطريق في ظل هذه الأجواء التي تشهدها الساحة الفلسطينية سواء في غزة أو بالضفة الغربية، متابعا:" لكن ذلك يتطلب تحقيق الوحدة الفلسطينية و(إسرائيل) اليوم تخشى اندلاع تلك الانتفاضة التي تؤدي بها إلى الهاوية في ظل الفشل والهزيمة التي لحقت بها في غزة".
وينوه المختص أبو زايدة الى أن (إسرائيل) لن تعطي السلطة فرصة اثبات وجودها بالضفة الغربية بل تواصل في مشاريع الاستيطان والتهويد ، متابعا:" هناك مخاوف من اندلاع انتفاضة ثالثة بالضفة خلال المرحلة المقبلة ردا على تدهور الوضع فهناك يأس من التسوية والتنسيق الأمني ما يدفع تجاه تصعيد الوضع الأمني بالضفة وصولا لإعادة احتلال الضفة وهذا ما تخشاه (إسرائيل).
بينما عوض يقول :"إنّ وجود السلطة ورغم كلّ هذا الضجيج الهائل من نتنياهو وقادة معسكر اليمين الذي تمليه الاعتبارات الأيديولوجية إلا أنهم ومن الناحية الواقعية والعملية غير قادرين على الاستغناء عنها "، متابعا: "فهي تحفظ لهم الاستقرار الأمني؛ خاصة حركة المستوطنين على الطرق الالتفافية، فضلاً عن أنها تُعفي الاحتلال من تحمّل مسؤولياته المدنية تجاه المواطنين الفلسطينيين".
مساحة أكبر
مركز أطلس للدراسات (الإسرائيلية) في دراسة له يشير إلى أن الضفة تعيش لحظة تسريع لوتيرة الاستيطان، وترجمة أيديولوجيا اليمين على الأرض فعليا، وهي الايديولوجيا التي تقوم في جوهرها على رفض حلّ الدولتين، والتمسك بأكبر مساحة ممكنة من الأرض، والنظر للوجود الفلسطيني كخطرٍ أمنيٍ وقنبلة ديمغرافية".
"أبو زايدة: انتصار غزة فرض معادلة جديدة لدى الفلسطينيين
"
وتؤكد الدراسة على أن الأيديولوجيا اليمينية الخاصة بالتعاطي مع القضية الفلسطينية شهدت تبديلاً وتغييراً نتج عن تغير الواقع الفلسطيني السياسي والديمغرافي، وكذا نتج عن التغير في المناخ السياسي الدولي، والذي بدا واضحاً أنه يتبنّى مشروع حلّ الدولتين، هذا بالإضافة إلى أن مسيرة أوسلو الطويلة خلقت نوعاً من الاجماع بين (الإسرائيليين) على ضرورة الانفصال عن الفلسطينيين.
"مركز أطلس: الضفة تعيش لحظة تسريع لوتيرة الاعتداءات والاستيطان
"
أما في حالة تحقيق المصالحة وتجاوز محنة الانقسام؛ فينوه الى أن السلطة ستكون ملزمة بالتوقف عن التنسيق الأمني مع (إسرائيل)، والتوقف كذلك عن مطاردة أنصار المقاومة في الضفة، في مقابل ذلك؛ ستكون هذه الفصائل ملزمة بالتوافق مع السلطة في الضفة على استخدام وسائل كفاحية سلمية، وهذا يعني أننا ذاهبون –في حال إتمام المصالحة- إلى مرحلة كفاحية تتشابه بشكل كبير مع انتفاضة 1987، وسيتم استبدال شعار "رفع الحصار عن غزة" بشعار "انهاء الاحتلال".