مقال: بين الفصل والنقل التعسفي

مصطفى الصواف

حرية الرأي مصانة، وحق الإنسان في التعبير عن الرأي أيضا مصان، وأي عقاب بسبب حرية الرأي والتعبير هو جريمة بحق الإنسان بغض النظر عن مرتكبها هيئة كان أو شخصية، لأنه لا يجوز محاسبة الإنسان على رأيه وفكره ، فكيف لو كان هذا المعاقب مثقفا ومربيا للأجيال أو كاتبا وأديبا عندها  تكون الجريمة أكبر بحق حرية الرأي والتعبير.

راعني كثيرا وبت قلقا على حريتي وعلى قلمي وعلى فكري من تغول المتغولين وتطاولهم على حرية صانها القانون والعرف يجب أن ترسخ كقيمة عالية في المجتمع، وان تحترم ولا تمس طالما أنها لم تتجاوز الحدود المتعارف عليها ولا تصل إلى حد القذف أو القدح والاتهام الباطل؛ وإنما كانت في إطار الاختلاف في الرأي.

إن محاكمة أستاذ جامعي حول كتاباته وانتقاداتها ومحاولته للتعبير عن وجهة نظره جريمة يجب أن نقف أمامها نحن الكتاب والمثقفين والقانونيين ومؤسسات حقوق الإنسان، لأنه من حقي كمواطن وكإنسان أن اعبر عن مخالفتي وانتقادي لسلوك معين أو عمل ضار أراه على الأقل من وجهة نظري ووفق الأدلة التي بين يدي وقناعتي أنه يستحق النقد وتبيان العوار فيما يحدث لأننا لا نتحدث عن مسألة شخصية بقدر ما هي مسألة عامة تهم مجمع بأسره.

إن ما حدث للدكتور أيوب عثمان من فصل تعسفي نتيجة كتاباته التي عبر من خلالها عن رأيه في بعض القضايا التي ترقى إلى درجة المخالفة الضارة في جامعة الأزهر بقطاع غزة هو عمل مرفوض ومحاولة للإرهاب الفكري والقمعي الذي يجب أن نتوقف جميعا أمامه، نعمل على رفضه وإلغائه، وان تمارس كافة أشكال الضغط القانونية والحقوقية والإنسانية والأدبية على جامعة الأزهر كي توقف هذا القرار المخالف لقواعد وأعراف مجتمعية راسخة وقيمة قانونية وإنسانية متعارف عليها، فإذا كنا نحاكم المثقفين والمحاضرين على ما يكتبون أو يتحدثون به فكيف يمكن لنا أن نبني جيلا لا يخاف، شجاعا يعبر عن نفسه وحريته بشكل حر وديمقراطي، قادر على مقارعة الحجة بالحجة،  لا إشاعة الخوف وترسيخ محاكم التفتيش وممارسة القمع الفكري، لتسود بعد ذلك قيم الانفصام بين ما يقال وبين ما يمارس.

يجب التوقف عن سياسة القمع والإرهاب الفكري وإعادة النظر في هذه السياسة العقيمة، وإتاحة الحريات الفكرية والأدبية،  وأول ما يجب أن يتم هو الغاء قرار الفصل بحق الأستاذ الجامعي أيوب عثمان وإعادته إلى عمله مع الاعتذار له عما مورس بحقه من تعسف وان ترد له حقوقه جميعا الجامعية والقانونية والأدبية.

في المقابل فإن النقل التعسفي ودون رضا من موظف حكومي بسبب التعبير عن الرأي ومخالفته لمسئوله في العمل وعدم الاكتفاء بالجزاء الذي وقع عليه من قبل ديوان الموظفين بعد تحقيق إداري وظيفي هو انتقام للذات وإعلاء لقيمة مرفوضة ضارة وهي (الأنا) ، هذا النقل لكاتب وأديب ومثقف وحامل لدرجة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الخارجية إلى وزارة العدل هو أيضا عمل غير مقبول وانتقام ذاتي مسيء لكل المبادئ والقيم التي نتغنى بها ونرفعها شعارا فارغا من المضمون يسقط عند الاختبار.

يسري الغول الموظف بوزارة الثقافة لم يرتكب جريمة يستحق فيها حتى المحاسبة الإدارية حتى تشكل له لجنة تحقيق ويخصم من راتبه أيام وتحفظ قضيته في نفوس تعتبر كل صيحة هي عليها حتى تأتي الفرصة المناسبة للتشفي والانتقام ليم نقله إلى مكان ابعد ما يكون عن تخصصه أو حتى تفكيره، علما انه قدم طلب نقل لوزارة الخارجية لا لوزارة العدل، والغريب أن يقبل وزير العدل وهو يعلم أن الموظف رافض لهذا النقل، فأين العدل يا وزير العدل؟.

ثم كيف يقبل ديوان الموظفين هذا النقل التعسفي والذي يجب أن يكون فيه الديوان مدافعا عن الموظف دفاعا لا يقل عن دفاعه عن حق العمل وحق الحكومة في الانضباط الإداري؟، ثم أين ديوان الرقابة من هذا النقل التعسفي، أم أن ديوان الرقابة لا علاقة له بالموظف وحقوقه ورفع الظلم عنه؟.

إن النقل التعسفي فيه قتل نفسي للموظف وسيترتب عليه إهدار للجهد والمال ومخالف لمبدأ الرضا الوظيفي الذي يجب أن يكون سائدا وفق علماء الإدارة والعلاقات العامة والذين يرون في الرضا الوظيفي عنصرا ضروريا لنجاح العمل، لأن العمل قائم على ما ينتجه مجموع الموظفين، فإذا فقد الموظفون الرضا الوظيفي هذا يعني انهم فقدوا الأمن الوظيفي ويصبحوا مهددين بنقل تعسفي أو فصل من الوظيفة.

حالتا عثمان والغول يجب التوقف عندها لأنهما يعاقبان عن تعبيرهما عن آراءهما وكتاباتهما نتفق معها أو نختلف، ولكن التصدي لها بهذا الأسلوب هو عين الإرهاب الفكري المرفوض، هذا اعوجاج لابد أن يقيم لا أن يترك لأن فيه مفسدة وفيه ما يضر بحرية الإنسان وحقه في التعبير المكفول قانونا وشرعا وعرفا.

البث المباشر