قائد الطوفان قائد الطوفان

ماذا بعد ... الفيضان يكشف عورة وادي غزة

 

"المياه": 60% من معدل السريان السنوي تدفقت خلال يومين

"البيئة": نعمل على معالجة المياه العادمة وانسياب المياه بسهولة

"الأراضي": التعديات في منطقة الوادي قليلة جدا

بارود: أخشى تعمد الاحتلال إغراق غزة بمياه ملوثة

 

الرسالة نت- محمد أبو قمر

ما أن انحصرت المياه عن وادي غزة بعد ثمانية وأربعين ساعة من الفيضان، حتى تكشفت عورة الوادي، وانعكست خيوط الشمس فوق تجمعات القمامة، فيما تراكمت الكثبان الرملية التي جرفتها السيول على طول مجرى الوادي.

ويفتح الفيضان الذي ألحق أضرارا بمنازل المواطنين ملف التعديات على الأراضي الحكومية، وتاريخ وادي غزة والمراحل التي مر بها حتى أصبح مكرهة صحية ومرتعا للمياه العادمة بدلا من كونه محمية طبيعية.

وعلى ما يبدو أن فيضان الوادي لم ينته بجفاف المياه وحصر الأضرار وإنما يمتد لتخوف المختصين من تعمد الاحتلال إغراق القطاع "بمياه ملوثة".

تاريخ الوادي

فما أن تشتد رائحة "المجاري" يضطر مستقلو السيارات التوقف عن التنفس قليلا، الى ان  يتيقنوا أنهم اجتازوا وادي غزة. 

ويعد وادي غزة الحوض الأدنى لأودية الخليل وبئر السبع ووادي الشريعة التي تتلاقى شرق مخيم البريج ثم تدخل القطاع من الشرق للغرب بمسافة ثمانية كيلو متر ، وصولا الى شاطئ البحر.

ويقول الدكتور نعيم بارود أستاذ الجغرافيا بالجامعة الإسلامية: " في السنوات الماضية كان الوادي خير وبركة على القطاع ويمنحه خمسين مليون متر مكعب من المياه، يستغلها المزارعون كونها مصدر طبيعي، ويعمل على تغذية الخزان الجوفي" .

وبحسب بارود فقد كان هناك عجز في الميزانية المائية بين ما يدخل القطاع والمخرجات الناتجة عن حاجة المواطنين يقدر بخمسين مليون متر مكعب ، وكان الوادي يسد ذلك العجز ويوازن بين المدخلات والمخرجات.

بعد احتلال القطاع شيدت "إسرائيل" سدا شرق غزة وآخر غرب بئر السبع لحجز المياه التي كانت تغذي الوادي، وتمكنت كما يقول بارود من إقامة بحيرة تجمع فيها الخمسون مليون متر مكعب من المياه، واستغلتها لزراعة الأراضي التي تسيطر عليها، مما أصاب الوادي بجفاف وأصبح مكرهة صحية ، وتدفقت إليه المياه العادمة من المنطقة الوسطى ، وأصبح تجمعا "للمجاري" بدلا من الاستفادة منه.

وانتقد بارود في حديثه "للرسالة" إهمال السلطة على مدار عهدها السابق وادي غزة ، حيث أكد أن هناك مشاريع جاهزة منذ عهد السلطة لتحويل وادي غزة لمحمية طبيعية لكن نقص الأموال وتسربها أدى لتأخير تنفيذها كثيرا، رغم توفر الدراسات.

وأوردت المصادر التاريخية أسماء أخرى لوادي غزة منها " نهر بيسسور " نسبة إلى مدينة بيسسور besor الكنعانية في صحراء، النقب "ونهر "تباتا،طباطا " flumen tabatha.

إهمال الوادي

ويعاني قطاع غزة منذ عدة سنوات من عجز مائي نتيجة سرقة الاحتلال للمياه الواردة إليه من خلال تشييد السدود ، لكن عندما فتحت قوات الاحتلال تلك السدود بشكل فجائي أغرقت المنطقة وأدخلتها في أزمة، دون الاستفادة منها.

"الرسالة" توجهت الى المهندس محمد أحمد مدير عام سلطة المياه الذي قال " المياه التي تصل عبر وادي غزة سطحية تأتي من جبال الخليل وصحراء النقب" ، وأضاف" معدل السريان السنوي داخل الوادي يقدر ما بين 20-30 مليون لتر مكعب سنويا ، فيما تقدر كمية المياه التي تدفقت في التاسع عشر من يناير الماضي خلال ثمانية وأربعين ساعة فقط بما بين 15-20 مليون لتر أي أكثر من نصف الكمية التي يستوعبها الوادي خلال عام بأكمله.

وبحسب أحمد فان ما نسبته 60% من معدل السريان السنوي للوادي الذي انساب خلال يومين دمر الحياة الزراعية وشرد المئات.

وفي حديثه عن جوهر الأزمة أشار إلى إنشاء الاحتلال العديد من السدود على مجرى وادي غزة منذ أوائل السبعينات لحجز هذه المياه السطحية، مؤكداً أن ذلك ساهم في زيادة العجز السنوي المائي في قطاع غزة والذي يفوق 80 مليون متر مكعب في السنة، وقال:" حوالي مليار متر مكعب من المياه تم حجزها واستفاد الاحتلال منها على مدار الثلاثين سنة الماضية".

وعن الدور الذي كان من المفترض أن تتخذه سلطتا المياه والأراضي والجهات المختصة منذ سنوات للحفاظ على الوادي قال مدير عام سلطة المياه: "منذ عام 1995 خصصت السلطة منطقة وادي غزة كمحمية طبيعية، ويلقى على عاتقنا دور بتوسيع مجرى الوادي الذي ضاق نتيجة التعديات ، وباتت المياه العادمة تصرف من خلاله وكل هذا اثر على مجرى الوادي .

ويقع على كاهل البلديات المسئولة عن الوادي وهي الزهراء والمغراقة وجحر الديك والنصيرات دور للحيلولة دون تكرار الكارثة.

وحول دور هذه الجهات لتفادي ما حدث، وكيفية التعامل معها في حال تكرارها، قال رئيس بلدية مدينة الزهراء كمال محفوظ في تصريحات صحفية أن تلك البلديات قدمت مقترحاً للدول المانحة لتقديم الدعم المالي اللازم لمشروع إقامة محمية طبيعية، استكمالاً لما كانت سلطة جودة البيئة تقدمت به في السابق وتمت الموافقة عليه في حينه، إلا أن اندلاع انتفاضة الأقصى حال دون تنفيذه.

وسارعت البلديات لتحديد مساحة حرم الوادي ومعرفة الأشخاص المتعدين عليه والتعامل معهم حسب القانون.

لكن الدكتور فارس أبو معمر رئيس سلطة الأراضي قال "للرسالة" أن تعديات المواطنين في منطقة الوادي قليلة جدا يكاد ألا تذكر.

خشية التلوث

ولم تنته جريمة الاحتلال الذي تعمد إغراق غزة بالمياه من خلال فتحه السدود دون سابق إنذار-لم تنته- بمجرد جفاف المياه وإيواء المشردين ، فقد عبر الدكتور بارود عن خشيته

من أن فتح الاحتلال للسدود المائية يكون وراء تيقن "إسرائيل" أن المياه التي كانت تمنعها تلوثت بعوادم الصناعة لاسيما أن منطقة بئر السبع وجنوب الأراضي المحتلة عام 48 تحتوي على كثير من المنشآت الصناعية ، وعندما رأت دولة الاحتلال أن ذلك سيشكل خطرا عليها فضلت فتحتها لتغرق بها غزة .

ولم يستبعد أستاذ الجغرافيا احتمال آخر بتعمد قوات الاحتلال وضع مواد خطرة في المياه ومن ثم ضخها لغزة في إطار الحرب التي تشنها على القطاع.

ويقول بارود " وربما يعلم الاحتلال بوجود تسرب إشعاعي من مفاعل ديمونا وصلت للمياه خلف السد ، ففضل نقلها لغزة".

وفتحت جريمة الاحتلال الباب أمام دعوات مختصين لمقاضاة الاحتلال وتعويض المتضررين.

وفي هذا السياق أكد وزير الزراعة الدكتور محمد الأغا أن فتح سدود وادي غزة من قبل الاحتلال جريمة خطيرة بكل المعايير والأوصاف، مشيراً أنها تأتي ضمن الجريمة الأكبر في سرقة الاحتلال للمياه الفلسطينية بالمصائد المائية التي تحول دون  تغذية الخزان الجوفي في  الضفة الغربية وقطاع غزة.

وأشار الأغا أن هذا الفيضان دمر وجرف بعض الجسور الموجودة على الوادي، وقال:" لم تقف آثار هذه الجريمة عند هذا الحد بل تعدت ذلك لتدمر البيئة الطبيعية الخاصة بالتنوع الحيوي في حدود الوادي، كما أن كميات كبيرة من التربة قد تم جرفها إلى داخل مياه البحر لينال من الحياة البحرية".

بانتظار الحلول

ويفتح فيضان الوادي الباب أمام تحرك الجهات المختصة لإعادة ترتيب أوضاع الوادي من جديد وتحويله لمحمية طبيعية بدلا من مكرهة صحية ، وهو ما دعا مدير سلطة المياه للتأكيد على ضرورة تكاثف الجهود ما بين البلديات وسلطتي المياه والبيئة لمنع إلقاء النفايات والحجارة داخل مجرى الوادي ، وإزالة التعديات لتسهيل عملية تدفق المياه ، واستيعابها وتصريفها لشاطئ البحر.

وأوصى بتبني مشاريع حفر آبار جوفية في مجرى المياه القادمة عبر الوادي لتعويض الخزان الجوفي المستنزف.

فيما رأى بارود أن فتح السدود من قبل الاحتلال بمثابة دعوة لإعادة الوادي لمحمية طبيعية تعود له الحياة البرية كما كانت في الأعوام ما بين 1965 -1970 ، وقال " لو توفرت الأموال فان الوادي سيكون جاهزا ليكون محمية طبيعية .

ووجه نداء لسلطة البيئة ووزارة الحكم المحلي لتكاثف الجهود من أجل تحويل الوادي لمحمية طبيعية ، ويصبح متنزها ومتنفسا للمواطنين بدلا من مكرهة .

وأكد أن التلوث الذي أصاب الوادي على مدار السنوات الماضية لم يقف عند منطقة الوادي فحسب بل وصل الى الخزان الجوفي ، فاختلطت المياه النقية بالعادمة وأصبح من الصعب حصول المنطقة الوسطى على مياه عذبة ، كما وصل التلوث أيضا لمياه البحر .

وفي السياق ذاته أكد م.بهاء الأغا مدير المشاريع في سلطة جودة البيئة "للرسالة" أن الأسبوع القادم سيشهد ورشة عمل تضم جميع الجهات ذات العلاقة بوادي غزة لتدارس كيفية منع تكرار الفيضان، بما يضمن انسياب المياه بكل سهولة.

وقال: "الوضع القانوني لوادي غزة يصنفه ضمن المحميات الطبيعية ، وسنعمل على معالجة المياه العادمة مؤقتا عبر مشروع تنفذه مصلحة مياه بلديات الساحل بالتعاون مع سلطة البيئة ، كي يتسنى اعتماده محمية طبيعية".

وقد أكد م. مازن البنا مدير عام مصادر المياه على ضرورة المزيد من الاهتمام من قبل الجهات المعنية لإدارة مصادر المياه في قطاع غزة وعلى رأسها إعادة تأهيل وتهيئة مجرى وادي غزة من خلال إزالة التعديات من قبل المواطنين وعدم استخدام هذا المجرى كمكب للنفايات وتصريف مياه الصرف الصحي.

ولفت الى أن ذلك من شأنه  استقبال كميات المياه المرجح تدفقها في المستقبل وإنشاء كل ما يلزم من بنى تحتية لحماية المواطنين من هذا الفيضان،  الى جانب إنشاء السدود ومحطات ضخ المياه لتخزين المياه والاستفادة منها في تغذية الخزان الجوفي بعد ضخها إلى الأماكن المناسبة لهذا الغرض.

ويعد فيضان الوادي رسالة للجهات المشرفة عليه للتحرك لإعادة الحياة الطبيعية له من جديد، والتخلص من المياه العادمة والقمامة المتراكمة في حوض الوادي ، وتغذية الخزان الجوفي من المياه المتدفقة إليه.

 

البث المباشر