إن الحرية هي الكلمة التي يبحث عن تطبيقها -منذ اكثر من ستين عاما- شعبنا الفلسطيني ويناضل من أجلها ويرتقي في سبيلها الشهداء كي ينعموا بالعيش دون إجبار او إكراه لإرادة من احد تمس هذه الحرية وتكبتها وتفرض واقعا سياسيا او اجتماعيا مرفوضا .
انها كلمة السحر التي تجمع من حولها الآلاف من ابناء الشعوب الذين يخرجون غاضبين في هذا القطر او ذاك، معلنين عن ربيع او ثورة ترفض الظلم والاضطهاد، وتشكل دافعا اساسيا للبناء والعمل، فعندما حصل المسلمون الاوائل على حريتهم الدينية والسياسية والفكرية انطلقوا فدشنوا اكبر امبراطورية على وجه التاريخ.
الحرية لا تتجزأ بين الايمان بها والعمل بمقتضاها، ولا يمكن ان يكون من مقتضيات الحرية فرض انماط سلوكية عبر وسائل اجبارية او قمعية بغض النظر عن مدى صحة، او سوء ما يتم فرضه او مكافحته لان القمع والاجبار والاكراه هي وسائل اقل ما يمكن القول عنها انها منفرة، وتؤدي الى نتائج معاكسة من العناد والرفض الذاتي، صحيح انها يمكن ان تشكل نوعا من الطاعة لدى اعداد من الناس ولكنها تخلق حالة من العداء تتنامى مع الزمن.
قديما قال الحكماء (ان كبر ابنك خاويه) أي ان التعامل بالعصا لا يعد وسيلة ناجعة مع الابن، فكيف بالمجتمع وما نسمعه عن بعض الممارسات السلوكية الاكراهية بحق بعض الشبان بغض النظر عن كونها بقرار مركزي او حالات فردية، لا يمكن ان تؤدي الى استقرار لا في السلوك ولا في المجتمع ولن تؤدي الغاية منها في محاربة بعض الظواهر التي نتفق على كونها مرفوضة في مجتمعنا ومغايرة للقيم الحضارية وتسيء الى صاحبها قبل الاساءة إلى المجتمع ككل، ولكن العلاج لا يكون عبر القهر والاجبار خاصة اذا ما تعلق الامر بجيل المراهقين الذين يحاولون تقليد من يظنون انه يعيش دور البطولة من وجهة نظرهم.
ان بعض الظواهر التي نراها تغزو مجتمعنا انما هي شكل المشكلة وليس اصلها، والمطلوب منا علاج جذرها والمتمثل في حالة الفراغ الفكري التي تعصف بجزء جديد من هذا الجيل الذي بدأ يفتح عينيه على حالة غير مستقرة من الخلاف الداخلي والانقسام والتجاذب السياسي في الساحة، ولم تعد وسائل الاستيعاب التقليدية لدى الفصائل الفلسطينية عوامل جذب كافية لاستقطاب الجيل الجديد خاصة مع بعض "التابوهات" المغلقة في التفكير لدى اجيال سابقة لما تقدر بعد حجم الاختلاف في طبيعة الجيل الجديد الذي يبني فكره وعلاقاته عبر مجتمعات جديدة قاطعة للزمان والمكان، لعل من بعضها وسائل الاتصال الحديثة من فيس بوك وتويتر واجهزة اتصال حديثة تضم برامج الاتصال المجاني كالواتس اب والفايبر واشباهها.
ان الخروج من منطق الحزب والمصالحة مع المجتمع والانفتاح على الجيل الصاعد والاستفادة من التقنية الحديثة وخلق القدوة والابتعاد عن النمطية في الاستيعاب، قد تشكل بداية صحيحة لمعالجة الاضرار الناجمة عن الانفتاح الاعلامي والمعلوماتي عبر التقنيات الحديثة وخاصة في سلوك الناشئة، بل ويمكن ان تساهم في الاستفادة منها في تعزيز القيم الحضارية لمجتمعنا التي نشأنا عليها وشكلت لنا صمام امان من الغزو الفكري والذي يمكن ان يؤدي الى ضياع الهوية ويخلق جيلا مغتربا في وطنه اما العنف فهو الوصفة السحرية لإكمال عملية التغريب بحيث يفقد الشاب للانتماء ويبقى عرضة للاختراق الفكري والثقافي.