تعيين سلام فياض رئيسا للحكومة كان خطئا كبيرا منذ اليوم الأول، فهو غير مؤهل جماهيريا وعلميا وسياسيا ووطنيا لتولي هذا المنصب الهام، بالإضافة إلى أن وزنه الدستوري لا يؤهله لتولي وزارة فضلا عن أن يرأس حكومة، زيادة على ذلك انه جاء بالباراشوت الأمريكي وفرض على الرئيس عرفات رحمه الله بهدف تجريد القوة المالية من يدي "الختيار".
فياض لم يعد يكتفي بمنصبه كرئيس وزراء في الضفة الغربية، بل تطلع لينازع الرئيس عباس السلطة التنفيذية على الأرض، فحاربه وناوشه على الصلاحيات والتعيينات ليستفرد بالقرار وينفرد بدفة القيادة الفعلية، وبرز ذلك جليا إثر استقالة وزير المالية نبيل قسيس في الثاني من مارس/آذار التي قبلها فياض رغم رفض عباس.
أزمة محمود عباس تكمن في خياراته المعدومة فوضع بيضه كله في سلة واحدة، ولم يفكر خارج إطار الصندوق الأمريكي، فهو في ارتباك وتوتر جراء الورطة الفياضية التي خلفها له، وسيجد نفسه مضطرا لإعادة فياض بصلاحيات أوسع ونفوذ أكبر، ليتحول الرئيس لمجرد ديكور يهتم بسفرياته وشكليات الحكم البروتوكولية وحجز مقعده الأمامي في المؤتمرات والقمم العربية والدولية.
فياض يتعامل انه الطرف الأقوى في معادلة سلطة رام الله، مع إصرار الرئيس عباس على الانقسام والقفز عن القانون، ويجهز نفسه لوراثة الرئاسة من ابي مازن، واستقالته هذه تأتي في طور الانسحاب التكتيكي ليظهر لحركة فتح أزمتهم الحقيقية، ويكشف ضعفهم ووهن قدرتهم، فيضطرون لقبوله مرة أخرى بشكله الجديد ونفوذ أوسع.
وبعد ذلك لن تعارض حركة فتح فياض، وستقبل به رئيسا لان هذه السلطة قائمة على المال وراتب اخر الشهر، وسيتورطون بمشروعه ومنهجه وتعليماته، ولحظتها سيتغير خطابهم وعنترياتهم فيحولونه لمنقذ وبطل قومي، وما نسمعه من حملات الشجب والاستنكار ستتحول لترحيب وحفاوة على اعتاب مكتبه.
ومن لم يقبل منهم بسلام فياض رئيسا للوزراء ولم يعجبه سيرغم على قبوله رئيسا للسلطة بصلاحيات فرعونية، وقرارات لا راد لها.
ان أراد الرئيس عباس أن ينجو من هذا الفخ عليه إعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل الانقسام فيعترف بحكومة السيد اسماعيل هنية كحكومة شرعية في ضوء وفاق وطني، عبر حاضنة عربية وإسلامية مانعة وداعمة، واعتقد ان البيئة العربية اليوم قد تستعد لان تجدد الثقة وتحمي أي توافق فلسطيني.