أسيرات السبعينيات يسترجعن ذكرياتهن بـ"السرايا"

إحدى الأسيرات في سجون الإحتلال (الأرشيف)
إحدى الأسيرات في سجون الإحتلال (الأرشيف)

الرسالة نت - ميرفت عوف

رغم القصف (الإسرائيلي) المتكرر على سجن غزة المركزي "السرايا" فإن الزنازين التي نالت من مئات الأسرى الفلسطينيين لا تزال قائمة كأنها تصر على البقاء معلما قاسيا في ذاكرة الأسرى الذين عذبوا فيها.

ثلاث أسيرات قبعن فيه أواخر الستينيات والسبعينيات جئن بأجسادهن التي لا تزال آثار التعذيب عليها وهن يعشن الذكريات الأليمة في يوم الأسير الفلسطيني (17 إبريل)، فتهامسن كثيرًا عن كل شيء والأيدي تشير إلى الجدران التي لم تكن صامتة كما يشعر من يزور هذا المكان.

"الرسالة نت" التقت الأسيرة فاطمة الحلبي -62 عامًا- التي اعتقلت بداية عام 1971 تحديدًا بعد استشهاد زياد الحسيني في بيت رشاد الشوا، فقالت: "كنت أعمل مع أبي المناضل عمر الحلبي ضمن قوات التحرير الشعبية لقطاع غزة وشمال سيناء، وكان هذا أول فصيل عسكري يعمل من أجل التخلص من الاحتلال (الإسرائيلي)".

عندما كشف أمر فاطمة اعتقلت قرب مستشفى الأطفال في حي النصر وأودعت سجن "السرايا"، ففي هذا المكان التي أتت إليه اليوم جدة كانت تبلغ السادسة عشرة من العمر آنذاك، ولديها كثير من الذكريات المؤلمة هنا.

وتضيف: "كان صمودنا النساء يمد الأسرى بالثبات، فكنا نسمع صرخاتهم ويهتز كياننا.. كانوا يأخذوننا لنرى كيف يعذب الأسرى لنضعف، فكان هدفهم ترويعنا ونزع الاعترافات منا بالتخويف والترهيب، فهم يعلمون مدى حرمة المساس بالمرأة الفلسطينية".

وتتابع المحررة فاطمة: "كان التعذيب قاسيا، فكنا نحمل كرسيا على رأسنا ساعات وتوضع أقدامنا قرب آلة كالمدفأة اليوم، أما أعقاب السجائر والحرق فلا تزال آثارها على جسدي بعد مرور كل تلك السنوات، ولا أزال أعاني كسر رقبتي ليومي هذا".

وحكمت الأسيرة فاطمة 20 عامًا دون تنفيذ لأنها لم تعترف بما نسب إليها مع 14 عامًا "تنفيذ".

ولم تنس الحاجة فاطمة كيف عذب طفل من عائلة الغول يبلغ الرابعة عشرة أمام عينها، "فكان الضابط (الإسرائيلي) يعذبه بشدة في مناطق حساسة من جسده النحيل، فيقر الطفل بما يسأل عنه هذا الضابط ليتوقف عن تعذيبه".

كما إنها لا تنسى كيف ضربها الضابط "أبو سامي" ضربة على رأسها اشتهر بها فأغمي عليها من قوتها، وعندما أفاقت وجهت له دعاء في وجهه، ثم بعد انتهاء التحقيق أرسلت لها الأسيرات رسالة تخبرها أن "أبو سامي" قتل في عملية للمقاومة.

استرجاع شريط الألم

انتقلنا إلى الأسيرة المحررة دلال أبو قمر -60 عامًا- التي اعتقلت عام 1968 حين كان عمرها خمسة عشر عامًا في سجن "السرايا".

وجاءت دلال تتذكر كل شيء بجوارحها، فعقلها وقلبها لا يكفان عن تلك الذكريات، فتقول: "أتذكر أنواع التعذيب التي تعرضت لها: الشبح والضرب والحرق بأعقاب السجائر، ونزع الشعر.. قذفنا بالماء الساخن أو البارد".

وتواصل: "من قسوة الضرب على الرأس لا أزال أعاني انفصال الشبكية".

ورغم تلك الفصول من التعذيب لم تعترف دلال بما نسب إليها من تهم، وصمدت أمام كل شيء، ولكن قوات الاحتلال حاكمتها بناء على اعتراف أحد الأسرى أسوة بقانون الانتداب البريطاني الذي كان يعمل آنذاك، فوجهت لها تهمة حمل السلاح والمشاركة في العمليات العسكرية التابعة لقوات التحرير.

اليوم، عندما تسمع دلال عما يحدث داخل سجون الاحتلال خاصة مع الأسيرات فهي تعيش معهن الأيام نفسها لأنها تعرف تفاصيل المعاناة، ويعود لها شريط الذكريات، فتتابع: "أتمنى أن تصبح الوحدة الوطنية واقعا من أجل العمل على تحرير الأسرى (...) أتمنى ألا تعتقل أي امرأة عند الاحتلال لأن اعتقالها يوم يعني عذاب مئة عام".

ذكريات أليمة

وفي رفقة جميلة لم تخل من استعادة ذكريات الآلام، فإن الأسيرة المحررة نهلة البايض جلست أيضًا بين رفيقاتها السابقات، فهي أول أسيرة تعتقل في سجن غزة المركزي عام 1968، ثم توالت الاعتقالات بحقها لأنها عضو في قوات جيش التحرير الفلسطينية.

ونشطت بالإضافة إلى العمل المسلح في المجالات السياسية، وتقول: "في الاعتقال الأول كنت فتاة ابنة الخامسة عشرة، وفي الاعتقال الثاني كنت مخطوبة، وفي الثالث كنت حاملا وأما لطفل عمره ستة شهور".

نهلة جاءت إلى السرايا تحمل معها ذكريات أليمة خاصة على أهلها الذين صدموا بجرأة الاحتلال على اعتقال فتاة لأول مرة، وتضيف: "في أول مرة جاءت الدبابات (الإسرائيلية) منتصف الليل إلى بيت أهلي ومعهم المختار (...) قهرت أمي كثيرًا من ذلك لكني حاولت أن أطمئنها".

وتواصل الحديث: "أمضيت ليلة كاملة في اليوم الأول في ساحة السجن بـ"عز البرد"، وفي الليلة الثانية تم التحقيق معي (...) كانت أصوات الأسرى أثناء التعذيب تعصر الأجساد ألما".

وتتابع: "رأيت في إحدى المرات الأسير حسين قزعاط حين كان وجهه منتفخا، وتم تعذبيه بكيه بأسياخ حديدية تركت حفرا على وجهه، وأيضًا رأيت خالي إبراهيم الأسود في هذا السجن"، مضيفة: "كانت أياما صعبة جدًا، الاحتلال لم يتهاون في أي نوع من التعذيب خاصة النفسي كتهديد الفتاة بعفتها".

 

البث المباشر