أثارت استقالة رئيس حكومة رام الله، الدكتور سلام فياض، وقبول الرئيس الفلسطيني محمود عباس لها، "زوبعة" لم تهدأ بعد، وهي لا تستحقها في أي حال.
فعندما تكون مرهوناً لغيرك، فإن كل "زوابعك" ستنتهي "في الفنجان" والحقيقة أن القضايا التي ألقتها هذه "الزوبعة" على الطريق شكلت "هوامش" ربما كانت لافتة أكثر من الاستقالة ذاتها، وإن جاءت بعض ردود الأفعال عليها أقرب إلى التناول الساخر.
- الهامش الأول، يتعلق بالقول إن الموقف الأمريكي و"التدخل السافر" في موضوع الاستقالة، هو السبب في إصرار سلام عليها، وكذلك إصرار عباس على قبولها! أي أنه لو لم يكن هذا "التدخل السافر"، لكانت الخلافات قد سويت وعاد سلام عن استقالته، أو رفضها عباس.
والقضية هنا لا تبدو في "التدخل الأمريكي"، ولكن في "التدخل الأمريكي السافر"، أي أنه لو جاء هذا التدخل من "تحت الطاولة"، لما أزعج أحداً من المنزعجين، ولما شعر عزام الأحمد، مثلاً، "بالإهانة والخجل"! والأطرف من ذلك أن يرفض كبير المفاوضين صائب عريقات هذا "التدخل الأمريكي السافر" لأن استقالة فياض في رأيه "قضية فلسطينية بامتياز" لا يجوز لأحد من الخارج أن يتدخل فيها، بحيث تبدو قضية مثل "إنهاء الاحتلال (الإسرائيلي) للضفة الغربية، مثلاً، والذي يعدّ عدم تدخل الإدارة الأمريكية فيها "بشكل كاف" هو أكبر مآخذ السلطة على هذه الإدارة، ليست "قضية فلسطينية بامتياز".
- الهامش الثاني، يتعلق برد فعل حركة حماس على استقالة فياض. ففي رأي المتحدث باسم الحركة، سامي أبو زهري، أن هذه الاستقالة "شأن داخلي" بين فياض وحركة فتح! ويأتي ذلك وكأنه تأكيد لما يقال عن وجود "دولتين لشعب واحد"، وعن طبيعة العلاقة القائمة بين "حكومة رام الله" و"حكومة حماس" وضرورة احترام مبدأ "عدم التدخل في الشؤون الداخلية" للدول الأخرى. وإذا كان الأمر كذلك، فأي كلام له معنى يمكن أن يقال عن "المصالحة" وعلاقة استقالة فياض بها؟
- واستمراراً للحديث عن "المصالحة والاستقالة"، وهذا هو الهامش الثالث، يلفت النظر أن تتفق الحركتان على أنه لا علاقة لاستقالة فياض بموضوع المصالحة. فقد نفى المتحدثان باسم الحركتين، عزام الأحمد وسامي أبو زهري، أن تكون هناك علاقة بين الاستقالة والمصالحة، في وقت طالبت فصائل مثل "الشعبية" و"الجهاد الإسلامي" أن تستغل الاستقالة لتحريك المصالحة. على أي حال، عدم وجود هذه العلاقة يعني أن سلام فياض لم يكن يوماً عقبة حقيقية في وجه إتمام المصالحة، وهو الذي صوره البعض أنه العقبة الرئيسة، لتظل الخلافات الكثيرة الأخرى بين الحركتين السبب في تعثر المصالحة.
- الهامش الرابع، يتعلق بما قيل عن أن استقالة وزير المالية نبيل قسيس وقبول سلام فياض لها هو سبب الخلاف بين فياض والرئيس محمود عباس الذي دفع الأخير إلى قبول استقالة فياض.
وبهذا الخصوص، نفت مصادر الرئاسة الفلسطينية أن تكون استقالة فياض بسبب الخلاف مع عباس على استقالة نبيل قسيس. وسواء صح أي من الفرضيتين، فالأهم هو ما يكشف عنه التنافس على المراكز ومواقع النفوذ من صراع بين "الصلاحيات والطموحات"، بين فريق الرئاسة وحركة فتح من جهة، وبين سلام فياض ومؤيديه من جهة أخرى! وهنا تعود إلى الأذهان قضية لا تغيب وهي الصراع على "سلطة وهمية تحت الاحتلال" والتي كانت المدخل الأوسع إلى ما نراه من سقوط للقضية وضياع للحقوق الوطنية!
- الهامش الخامس، يتعلق بما قيل عن فشل سلام فياض في "إدارة دفة الاقتصاد الفلسطيني"، والذي أدى إلى "إغراق شعبنا بالديون".
وهنا، أيضاً، اتفقت حركتا فتح وحماس، من خلال تصريحات المتحدثين باسميهما، في توجيه الاتهام إلى فياض.
ومع صحة هذا الاتهام جزئياً، إلا أن الحركتين لم يأتيا على ذكر سياسة "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي" المسؤولة فعلياً عن تلك الديون التي تحملها الشعب الفلسطيني، وإن كانت حركة حماس قد حملت المسؤولية لحركة فتح على أساس أنها هي "التي فرضت سلام فياض منذ البداية"! مع ذلك، ومع أن سلام فياض لم يكن أكثر من "موظف كبير" لدى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وبالتالي لا بد أي ينفذ السياسة التي يضعانها، فإن هناك من يرى أنه لو كان سلام فياض فطن حصتيهما من أموال المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة الأميركية والدول المانحة، لربما اختلفت المواقف منه!
الآن وقد أصبحت استقالة سلام فياض نافذة، وتحولت حكومته إلى "حكومة تصريف أعمال"، وبعيداً مما يقول "النظام الأساسي" الذي لم (ولن تلتزم) به السلطة، ومن احتمالات بقائه شهوراً أو سنوات، أو إعادة تكليفه تشكيل الوزارة... بعيداً من كل ذلك، تواجه الرئاسة الفلسطينية، ومعها حركة فتح، اللتان أغضبهما "التدخل الأمريكي السافر" في "قضية فلسطينية بامتياز"، تواجهان آخر تصريحات وزير الخارجية الأمريكية جون كيري الذي أعرب عن أسفه لاستقالة فياض، وطالب السلطة باختيار "الشخص المناسب" لممارسة مهامه، ومواصلة العمل مع الولايات المتحدة.
ونعرف مسبقاً أنه لن تكون هناك "مواجهة" بين واشنطن والسلطة، أو بينها وبين حركة فتح، لأنهما لا تستطيعان أن تختارا شخصاً لا ترضى عنه واشنطن، ولأن "الشخص المناسب" لواشنطن يجب أن يكون مناسباً لهما، وإلا فعليهما أن يواجها احتمالاً يريانه أصعب وهو انهيار السلطة التي يتمسكان بها.
صحيفة الخليج الإماراتية