يتسلل الخوف إلى قلب المواطن "أبو محمد النجار" يومياً مع غروب الشمس، فالطلقات النارية المتقطعة التي يصدرها الجنود (الإسرائيليون) المتمركزون على حدود بلدة خزاعة شرق محافظة خانيونس تقلق نومه فضلا على أن العمليات العسكرية اليومية في المنطقة وتوغل الدبابات داخل محيط سكنه يجعلانه دائم القلق على أسرته.
المواطن النجار وعدد من أبنائه يعيشون على أطراف البلدة المتاخمة للحدود مع (إسرائيل)، ويقول وهو يشير بإصبعه نحو الحدود: "الآليات العسكرية تنتقل بين حين وآخر من تلك النقطة (برج المراقبة) إلى هنا (مكان وقوفه) بزعم تنفيذ أعمال تمشيط في المنطقة".
وبصرف النظر عن الخسائر المادية والبشرية التي يتكبدها المواطنون في تلك المنطقة، فإنهم دائمو الخوف والقلق، ولاسيما أن العمليات على الحدود تحدث بصورة شبه يومية.
ويضيف النجار: "الجيش ينفذ عمليات تجريف يومية في المنطقة، ويقتلع الأشجار، ما يكبد المزارعين خسائر مادية كبيرة بالإضافة إلى أن الواحد منهم يطأ أرضه وهو غير آمن على نفسه".
وأشار إلى أن العمليات العسكرية في محيط سكنه تحول دون استثمار المزارعين أراضيهم التي باتت أشبه بالصحراء القاحلة، مبينا أن بعضهم يستفيد منها موسميا.
وتبدو المنطقة الشرقية لمحافظة خانيونس (تضم محيط بوابة موقع "السريج" العسكري (الإسرائيلي)، وموقع "كيسوفيم" في منطقة القرارة، ومنطقة عبسان)، المسرح الأكثر عنفا في القطاع خاصة بعد توقيع اتفاق التهدئة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال (الإسرائيلي) أواخر نوفمبر الماضي.
طبيعة المنطقة وحيويتها تجعلانها بصورة أو أخرى الأكثر سخونة نظرا لعمليات استهداف آليات ومواقع الاحتلال من رجالات المقاومة خلال السنوات الأخيرة، وهذا كان واقعا حتى ما قبل الانسحاب (الإسرائيلي) من قطاع غزة 2005.
المراقبون أرجعوا توغل الآليات العسكرية بصورة متكررة في المنطقة إلى العمليات التي نفذتها المقاومة ضد المواقع العسكرية (الإسرائيلية) على حدود غزة في وقت سابق، وكان ينطلق منفذوها من المنطقة الشرقية لخانيونس.
وأكدوا أيضا أن المدة التي سبقت عملية "عمود السحاب" العسكرية التي شنتها (إسرائيل) على غزة نوفمبر 2012 كانت المنطقة قد شهدت فيها عمليات نوعية طالت آليات الجيش (الإسرائيلي) وفرق النخبة وذلك الصواريخ الموجهة والعبوات الأرضية.
ووفق شهود عيان فإن آليات الاحتلال تنفذ عمليات توغل محدودة قرب السياج الأمني لإقامة السواتر الترابية وتشديد وسائل الحماية على السياج الأمني لحماية المواقع العسكرية من أي عملية استهداف من المقاومين.
وتراجع الاحتلال عما جرى الاتفاق عليه في نص التهدئة الموقع بين الفلسطينيين و(الإسرائيليين) برعاية مصرية، فقد كان من المقرر فتح المنطقة العازلة أمام المواطنين لاستصلاح أراضيهم واستئناف النشاط الزراعي.
ويعتقد أبو عبيدة وهو قائد ميداني في ألوية الناصر صلاح الدين أن عملية التجريف اليومية التي تجريها قوات الاحتلال في شرق خانيونس يقصد منها هدفان اثنان، "الأول متعلق بقص الشجر الذي يعوق رؤية الجنود، والثاني إحباط حفر المقاومة أنفاقا من أجل الوصول إلى عمق المواقع (الإسرائيلية) المحاذية لقطاع غزة من الجهة الشرقية وذلك لزرع العبوات الناسفة والألغام الأرضية".
وأشار أبو عبيدة إلى أن المقاومة لن تعطي الاحتلال فرصة للانفراد بالمنطقة وتجريفها، "فهي تقف له بالمرصاد حتى يعلم أن دخول غزة ليس بالأمر الهين"، كما قال.
والشريط الحدودي المتاخم لـ(إسرائيل) شرق محافظة خانيونس تحديدا من أكثر الأشرطة خصوبة وأوسعها على امتداد القطاع البالغ مساحته 365 كم مربع.
ويستثمر المزارعون مئات الدونمات في تلك المنطقة أوقات الهدوء والاستقرار في زراعة البازيلاء واللوزيات، والزيتون، ومساحات أخرى منها تستخدم مزارع للدواجن.
القائد العسكري أبو عبيدة يرى أن الاحتلال لا يروق له رؤية غزة مستقرة وآمنة، "بالإضافة إلى أنه يعمل على إجهاض محاولات نهوض الاقتصاد الفلسطيني بحرمان المزارعين استثمار أراضيهم".
ورفض كشف تفاصيل حول استثمار المقاومة المنطقة في استهداف مواقع الاحتلال الحدودية أو التحضير لعمليات خطف جنود على غرار عملية "الوهم المبدد" يونيو/حزيران 2006 التي أسرت المقاومة خلالها الجندي (الإسرائيلي) جلعاد شاليط، قائلا: "هذا أمرا لا يمكن الحديث فيه عبر وسائل الإعلام، ولكننا نؤكد أننا لن نقف مكتوفي الأيدي أمام اعتداءات الاحتلال المستمرة على المواطنين".
وأشار القائد الميداني إلى أن التهدئة لن تحول دون رد المقاومة على أي خروق (إسرائيلية) تتسبب في إيذاء المواطنين في قطاع غزة، مشددا على أن إستراتيجية المقاومة مبنية على الدفاع عن الشعب الفلسطيني وأرضه بغض النظر عما يكلف ذلك من تضحيات.