توالت الاستهدافات "المبرمجة" لقادة حركة فتح سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، الأمر الذي ينذر بتصاعد وتيرتها وتفاقم الصراعات الموجودة داخل الحركة، والتي تعود جذورها إلى الخلاف الدائر بين قطبي الصراع الفتحاوي رئيس السلطة محمود عباس والقيادي المفصول من الحركة محمد دحلان.
وتزايدت في الآونة الأخيرة أعمال العنف والاستهدافات المختلفة الأسلوب والنوعية، حيث تعرضت سيارة النائب الفتحاوي ماجد أبو شمالة -الاثنين الماضي- إلى إطلاق نار مباشر من قبل مجهولين في رام الله بالضفة الغربية، فيما يعتقد أنها نتيجة خلافات داخلية في حركة فتح.
وجرت حوادث مماثلة ليست بعيدة الزمان ولكنها مختلفة المكان، منها تفجير عبوة ناسفة أمام منزل منذر البردويل مسئول إقليم حركة فتح بمحافظة رفح جنوب قطاع غزة، مما أدى لإلحاق أضرار جسيمة بمنزله وسيارته الشخصية، وإحراق سيارة القيادي محمود حسين أمين سر حركة فتح سابقاً بمحافظة رفح.
وكان القيادي بحركة فتح جمال عبيد في شمال القطاع، قد أصيب في حادث إطلاق نار مباشر على قدميه، وتمكنت الأجهزة الأمنية حينها من اعتقال مطلقي النار وتبين أنهم تابعون لأحد الأجنحة العسكرية الفتحاوية ومدفوعون من قيادات وازنة داخل الحركة.
التحقيقات الداخلية
وعبر عبد الله أبو سمهدانة عضو الهيئة القيادية العليا لفتح في الإطار، عن أسفه لاستهداف قادة فتح سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، لافتاً إلى أن الاعتداءات المتكررة حملت دلالات على أن مرتكبيها يتصرفون بأمان!.
واستبعد القيادي الفتحاوي أن يكون استهداف النائب أبو شمالة في الضفة له علاقة بالاستهدافات التي جرت لقادة فتح في القطاع، مستدلاً في حديثه لـ"الرسالة نت" على أن "الأسلوب مختلف".
"أبو سمهدانة: الخلافات شخصية ولا نريد خلط الأوراق
"
واستبعد أي علاقة لما يجري بالصراع الدائر داخل فتح بين تياري دحلان وعباس مضيفا: "لا نريد أن نخلط الأمور ونحمل الأمور أكثر مما تحتمل لأنه في الغالب تكون الخلافات شخصية ولا يجوز نخلط الأوراق ونرجعها لمرجعية فلان أو علان".
وحول مجريات التحقيق الداخلي التي يستوجب على حركة فتح القيام بها، فقد ذكر أبو سمهدانة أنه يتعذر على حركته القيام بذلك في غزة لأنه غير مسموح لهم أن يستجوبوا أو يحققوا مع أي أحد، كما أنه ليس لديهم القدرة والإمكانيات التي يمكن أن تمتلكها السلطة أو الحكومة، مبيناً أن ما نعتها "سلطة الأمر الواقع" هي من تتولى الأمن ومسئولة عنه في غزة، وفق تعبيره.
وافترض أبو سمهدانة أن التحقيق الداخلي يتطلب طرف خيط للوصول إلى الجناة، مؤكداً أنه لو ثبت تورط أحد من داخل الحركة وتبين علاقته بالاستهدافات فإنه يمكن استدعاؤه واستجوابه وبالتالي يمكن طرده من الحركة.
ونوه أبو سمهدانة إلى أن مسئولية الأمن في الضفة أن يقبض على الجناة في الحادث الذي يخص أبو شمالة، وذلك خلال فترة قصيرة وإطلاعهم على التفاصيل، منوهاً إلى أن أجهزة السلطة تملك كل المقومات لأجل ذلك، كما أن رئيس السلطة يملك هناك استجواب أي نائب واعتقاله ورفع الحصانة عنه!.
تهديد ووعيد متبادل
وأيضاً بما يخص الحوادث التي جرت في الضفة، فقد عبر زياد أبو عين عضو المجلس الثوري لحركة فتح، عن رفضه لحوادث الفوضى الأمنية أو أي عمل يجري من تحت الطاولة وخارج إطار القانون والنظام، مؤكداً على أن طواقم التحقيق تقوم بدورها في متابعة مثيري الفوضى والفلتان وملاحقتهم.
وزعم أبو عين أن حادث إطلاق النار على سيارة النائب أبو شمالة هو الوحيد الذي جرى في الضفة وأن الأجهزة الأمنية تولت منذ اللحظة الأولى مسئولية المتابعة وملاحقة المتورطين، محملاً مسئولية التحقيق في الاستهدافات التي جرت لقادة فتح في غزة للأجهزة الأمنية من خلال البحث عن الأدلة والتحري عن المشتبه بهم واعتقال المتورطين ومعاقبتهم بغض النظر عن الأهداف والدوافع، وفق تعبيره.
وأوضح أبو عين لـ"الرسالة نت" أنه ليس بإمكان حركته المتابعة والتحقيق في الجرائم التي وقعت في قطاع غزة، مستدركاً أن هذا لا يمنع أن يكون هناك تحقيق حركي ومعرفة ما إذا كان هناك أي أحد من أبناء الحركة متورط في أي عمل من هذا النوع .
غير أن أبو عين شكك في أن يكون هناك أي أثر حركي للاستهدافات التي جرت لقادة فتح في القطاع، زاعماً أن "الكل الفتحاوي يلتف خلف عباس"، كما أنه لم ينكر أن لدحلان علاقاته الشخصية وعدد من الأنصار والحلفاء.
"خريشة: تعبير عن الحالة الانتقامية لتحالفات فتح المتصارعة
"
وتابع " أي صراع من هذا النوع يسئ للحركة ونحن جزء من حركة نضالية يرأسها عباس ونرفض أي خروج على النظام وخاصة مما يسمى جماعة دحلان ضد القيادة الرسمية".
وحول تصريح القيادي الفتحاوي سمير المشهراوي الذي حمل طابعاً تهديداً بالرد على منفذي الهجوم، قال أبو عين "لن ننزلق إلى هذا المستوى من التهديدات، فالحركة وقياداتها ملتزمون بالشرعية وقراراتها وكل محاولات إشاعة أن هناك انقسام في صفوف الحركة غير موجود، مستدركاً "هناك بعض الخلافات والأمور تحصل هنا و هناك وهذا أمر طبيعي في حركة لها تاريخ وامتداد".
وكان المشهراوي وجه تحذيراً لمنفذي جريمة إطلاق النار على سيارة النائب أبو شمالة قال فيه "أنه يجب أن يعلم الجبناء، أننا لسنا قاصرين عن الرد عليهم وعلى أسيادهم أينما كانوا هم شخصياً وليس مركباتهم (..) الشبهة لا تعتري أوقاتنا ولا نختبيء خلف أصابعنا"، مطالباً السلطة التي تتغنى بالأمن والأمان ليلا ونهاراً والتي لا تسمح لمناضل بحمل بندقية، أن تكشف عن هؤلاء العملاء قبل فوات الأوان، وفق ما ذكر.
يذكر أن عدداً من نواب كتلة حركة فتح البرلمانية الذين يمثلون قطاع غزة والمقيمين في الضفة منذ الانقسام، قد اتهموا قبل أكثر من عام أجهزة الأمن بالضفة الغربية باستهدافهم، حيث تشير هذه الملاحقات إلى تصاعد الخلافات بين تيارات فتح في الضفة وغزة، وخاصة بعد فصل عضو محمد دحلان، تبعه إقالة سمير مشهراوي وكلاهما من قطاع غزة.
وكانت عدة تيارات متباينة داخل حركة فتح وجهت انتقادات شديدة لقيادة الحركة في رام الله، على خلفية "الترهل الذي تعاني منه الحركة في قطاع غزة، وإهمال القيادة، وسلسلة التعيينات القيادية الأخيرة في صفوف الهيئة القيادية للحركة في قطاع غزة"، والتي لقيت انتقادات حادة من جانب الهيئات القاعدية في الحركة.
تحذير من العنف
من جهتها، دعت الحكومة الفلسطينية حركة فتح إلى "حل خلافاتها الداخلية بطريقة سلمية"، محذرة من اللجوء إلى "العنف والفوضى والفلتان الأمني كما جرى في بعض عمليات تفجير وإطلاق نار بغزة والضفة". وشددت -في ختام اجتماعها الأسبوعي- على أنها "لن تسمح لأي كان إعادة الفلتان والفوضى إلى ساحة القطاع".
وكان د. أحمد بحر النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، قد أدان حادثة إطلاق النار على سيارة النائب أبو شمالة في مدينة رام الله، مؤكداً أن أي محاولة للاعتداء على أي نائب من النواب يشكل انتهاكا للحصانة البرلمانية التي يتمتع بها النواب، ومخالفة للدستور الفلسطيني، وانتهاكا لقيم وتقاليد وأخلاقيات الشعب الفلسطيني.
وعبر النائب المستقل حسن خريشة في الإطار، عن إدانته لكل أشكال الفوضى والفلتان الأمني بغض النظر عن المستهدفين منها، مؤكداً أن مثل هذه الأعمال هدفها "العبث بالساحة الداخلية الفلسطينية ويأتي في سياق حالة الفلتان الأمني المستشري".
وأشار خريشة لـ"الرسالة نت" إلى أن الحادث يعبر عن الحالة الانتقامية السائدة لدى التحالفات المتصارعة داخل الحركة"، مبيناً أن الرسالة التي أراد "المستهدِفون" إيصالها لأبو شمالة "هي عدم التفكير بالبقاء في الضفة".
وتوقع خريشة أن تبقى الإشكالات قائمة داخل حركة فتح إلى حين إيجاد قيادة موحدة قادرة على ضبط الأمور، منوهاً إلى أن عقد الحركة لمؤتمر جديد وإجراء انتخابات داخلية يمكن أن يحل مشكلاتها الموجودة منذ زمن.
يجدر الإشارة إلى أنه على صعيد حركة فتح في قطاع غزة تحديداً، فإنها لم تجرِ منذ منتصف حزيران (يونيو) 2007، أي عملية انتخابات داخلية لفرز قيادات جديدة للإشراف على أقاليم الحركة الثمانية، وبقيت القيادات التي انتخبت في مؤتمرات سابقة تمارس عملها لغاية الآن.