قائد الطوفان قائد الطوفان

أحيا بيوتا جديدة

غزة: لا تحقرن الركام فالبيوت من الحصى

حصى وحديد وبلاستيك حركت عجلة البناء

 

غزة- فادي الحسني "الرسالة نت"

يجتمع الأربعيني أبو محمد مع عدد من أبنائه  فوق تلة رملية بمنطقة خالية غرب خانيونس، يغربل الرمال بحثا عن الحصى، والعرق يتصبب من جبينه الأسمر، رغم الصقيع والرياح الغربية التي تعصف بالرمال في وجهه، بينما يمسك الأبناء أكياسا مهترئة من النايلون يحشونها بحبات الحصى، تمهيدا لنقلها للتجار الذي يتوافدون لشرائها بأسعار قليلة.

 

يقول أبو محمد: "نأتي في ساعات مبكرة لجمع الحصى ونستمر حتى ساعات المساء، وذلك بغية تحقيق ما يعينني على قضاء حاجة أسرتي"، مؤكدا أن جمع الحصى بات مهنة من لا مهنة له في قطاع غزة المحاصر منذ عدة أعوام.

 

ولا تبدو هذه المحاولة الفردية الوحيدة للدفع بعجلة البناء في القطاع المدمر بفعل الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، إذ ابتدع المئات من المواطنين طرقا للتغلب على نقص مواد البناء التي تمنع "إسرائيل" إدخالها عبر المعابر التجارية.

 

تجهيزها للبيع

وتحول الأزمة السياسية في الأراضي الفلسطينية دون إعادة إعمار ما دمره الاحتلال في غزة، الأمر الذي دفع الكثير من المواطنين للاجتهاد في ترميم بيوتهم وإصلاحها في هذا الفصل الشتوي، لتقيهم من البرد القارص، وعمد احدهم إلى جمع ركام البيوت المدمرة والعمل على استخراج الحديد وتفتيت الأسمنت المسلح، وإعادة تدويرها، لاستخدامها في البناء مجددا.

 

ويستريح الشاب عصام نصير بجانب كومة حديد أشبه بشبكة العنكبوت، كان يستخرج منها قضبانا ملتوية بأحجام وأطوال مختلفة، ويطرق عليها بشاكوشه الثقيل لتعديلها، ومن ثم تجهيزها للبيع.

 

ويقول العشريني نصير: "يستغرق تعديل الطن الواحد من الحديد أسبوعا كاملا، ويبدأ العمل من ساعات النهار الأولى، حتى المساء، مقابل أجر مادي زهيد".

 

ويكابد العامل مشقة وعناء كبيرين، شأنه في ذلك شأن عدد من العمال يشاركونه العمل في تعديل القضبان الحديدية المستخدمة في تكوين الخرسانة المسلحة، ويقول:"ليس أمامنا من بديل.. نعمل لتوفير لقمة العيش المفقودة في ظل الحصار".

 

ويصل ثمن طن الحديد المسلح الذي تمنع إسرائيل إدخاله إلى غزة، إلى ألف وثمانمائة "شيكل"، بعد ترميمه وإصلاحه.

 

ولم يكن الطفل عصام احمد، في الخامسة عشرة من عمره، بأحسن حالا من سابقه، حيث يجر عربته بحثا عن قطع إسمنتية وأحجار متراكمة بين الأزقة والطرقات، لبيعها للمعامل التي تعمل على إعادة تدويرها.

 

ويسير الطفل احمد ونظراته لا تنفك عن النظر يمينا ويسارا بحثا عن قطع الركام المتناثرة هنا وهناك، ويقول: "أبي توفي قبل عامين، ولا معيل لأسرتي، لذلك أضطر للبحث عن لقمة العيش أينما وجدت، لمساعدة أمي وأشقائي".

 

وبمجرد دخول الطفل أحمد بعربته إلى معمل الحجارة الأسمنتية، يتوافد العمال لمساعدته في تفريغ حمولته من الركام، وثمة ابتسامة ترتسم على وجهه حينما يتقاضى عشرة شواقل تعينه على جلب "الطعام" لأسرته.

 

معركة مع الركام

وتبدأ جعجعة ما اصطلح عليه في غزة بـ"الكسارات" منذ ساعات الصباح في شركة مصلح للأسمنت، ويخوض ما يزيد عن خمسين عاملا معركة مع تلال الركام.

ويضرب عمال بفؤوسهم في الركام لجره إلى "الكسارة" حتى تطحنه وتفتته، ويقوم آخرون باستخدام قطع الحصى المفتتة وجبلها مع الأسمنت لصناعة الحجارة.

 

ويقول أحمد مصلح نجل مالك الشركة: "شركتنا كانت معطلة منذ أعوام، لكن إدخال الإسمنت عبر الأنفاق ساهم في تحريك عجلة البناء(..) هناك طلب متزايد على الأحجار، كما أننا شغلنا خمسين عاملا في الشركة كانوا عاطلين عن العمل".

 

ويشير مصلح إلى أنهم يقومون بجلب الركام من المحررات عبر شاحنات كبيرة، بالإضافة إلى شرائه من أصحاب العربات المتجولة في الشوارع، مبينا أن هذا الأمر يكلفهم أعباءً مالية عالية.

 

ونشطت حركة البناء في القطاع المحاصر، عقب تمكن عاملي الأنفاق على الحدود الفلسطينية المصرية، من جلب كميات كبيرة من الأسمنت المصري.

 

ويضطر المواطن الغزي لتحمل أيضا جزءا كبيرا من النفقات الباهظة التي يدفعها أرباب الحرف، ويقول أبو محمد صيام: "المبلغ المالي الذي دفعته مقابل ترميم منزلي، كان يكفي لبناء بيت من الخرسانة المسلحة في الزمن السابق".

 

لكن المواطن صيام يجد نفسه مضطرا لدفع المبالغ الباهظة لحاجته الماسة لترميم بيته، ويقول: "لا بديل أمامنا سوى الرضوخ للأمر الواقع".

 

وعوضا عن السيراميك غالي الثمن، فرش المواطن سمير عليان أرضية بيته بطبقة من الأسمنت، وستر تعرجها بقطعة سجاد، وقال: "ليس بمقدوري شراء البلاط المهرب عبر الأنفاق لارتفاع أسعاره، الأمر الذي دفعني لاستخدام الأسمنت(..) على قد لحافك مد رجليك".

 

وكانت تقديرات المؤسسات الإنسانية والإحصائية العاملة في الأراضي الفلسطينية قد أشارت إلى وقوع أكثر من 83% من سكان غزة تحت خط الفقر.

 

نجح في صقلها

ونجح هيثم عبد الدايم في الثلاثين من العمر، في طحن قطع البلاستيك البالية والنايلون، التي يجمعها فقراء القطاع من الأزقة والطرقات، وباعوها له، ومن ثم قام هو بصقلها على شكل "خراطيم" مياه.

 

وأشار عبد الدايم الذي يمتلك محلا صغيرا يحوي في جنباته دوائر بلاستيكية مجهزة للبيع، إلى أن عجلة البناء التي دارت مؤخرا في القطاع، جعلت المواطنين بحاجة إلى مد شبكات مياه وكهرباء، "وجميعها بحاجة إلى خراطيم بلاستيكية".

 

وقال: "أمام هذه الحاجة الملحة وفي ظل الحصار الذي يحول دون إدخال المواد الخام، وجدنا أنفسنا مضطرين لصهر البلاستيك وإعادة تصنيعه".

 

وأضاف عبد الدايم الذي بدا منشغلا في متابعة الآلات الكهربائية المستخدمة في صناعة البلاستيك :"نقوم بشراء طن البلاستيك البالي بثلاثة آلاف وخمسمائة شيكل، ونعمل على تقطيعه وجرشه ومن ثم صقله على شكل "برابيش".

 

ويلف عبد الدايم أطراف الخراطيم على شكل دوائر ويقوم بتقسيم أطوالها حسب الطلب، تمهيدا لنقلها للتجار.

 

ويجلب عاملو أنفاق بشكل يومي اللوازم المختلفة المستخدمة في تجهيز البيوت، كالسيراميك والأدوات الصحية، لكن مواطنون يشتكون من أسعارها الملتهبة، رغم "قلة جودتها" كما قالوا.

ويؤكد أبو أحمد وهو مالك نفق أن أسباب ارتفاع أسعار مواد البناء المهربة من مصر، يعود لتكلفة النقل المرتفعة إضافة إلى صعوبة نقلها، مشيرا  إلى أن ارتفاع الأسعار لم يمنع التجار من زيادة الطلب عليها، "وذلك يعود أصلا لحاجة المواطن الماسة إليها مهما بلغ ثمنها".

 

إمكانيات محلية

وتحاول الحكومة في قطاع غزة ممثلة بوزارتي الأشغال العامة والاقتصاد، مساعدة المواطنين في تكرير الركام لترميم منازلهم وإيواء المشردين إثر الحرب الأخيرة على غزة.

 

وقال وكيل وزارة الأشغال إبراهيم رضوان لـ"الرسالة نت" ما نقوم به يعتمد على الإمكانيات المحلية المتمثلة في إعادة تكرير الركام واستخراج الحديد.

 

وأضاف "ساعدنا حوالي 550 أسرة عادة إلى منازلها بعدما جرى ترميمها وذلك بالإمكانيات الذاتية للوزارة"، مشيرا إلى أنهم شرعوا مؤخرا في إنشاء أول وحدة سكنية في حي السلام بمحافظة رفح.

 

البث المباشر