قائد الطوفان قائد الطوفان

"إبراهيم" يحلم باحتضان والده 10 دقائق فقط !

صورة من الارشيف
صورة من الارشيف

دير البلح-محمد بلّور-الرسالة نت

"كان نفسي أضل في حضنه ولو عشر دقائق، لكن اليهود كانوا فقط يسمحوا لي خلال الزيارة بثلاث دقائق، والزيارة كلها نصف ساعة !" .

بمجرد ولوج إبراهيم في الجملة الثانية متحدثاً عن رغبته الملحّة في احتضان والده الأسير أصابني بقشعريرة التفاعل مع اشتياقه لأبيه حلمي العماوي الذي يعرفه معظم قطاع غزة من خلال الاسم فقط.

وحده الأسير حلمي يستحق وسام الشجاعة ونوط الواجب فقد أمضى عشرين سنة في الأسر تاركاً خلفه زوجة صابرة وابن وحيد يحلمون بالاجتماع معه.

ويتعطش العشرات من أبناء الأسرى الفلسطينيين, لاحتضان آبائهم في كل يوم.

وكان الأسير حلمي العماوي 44 سنة اعتقل سنة 1993 بتهمة الضلوع في قتل مغتصب صهيوني حكم عقبها بالسجن مدى الحياة.

غائب عن البيت

منذ خمس سنوات فقط انتقل إبراهيم مع أمه للسكن في بيت شرق دير البلح تزوج فيه وأنجب طفله الوحيد حلمي "ثلاث سنوات" بعد أن لازم منزل جده وأعمامه لخمس عشرة سنة .

ومضات فقط من حياة العماوي علقت بذاكرة ابنه الوحيد إبراهيم فهو يعرف انه حكم على خلفية المشاركة في قتل مغتصب صهيوني .

يقول للرسالة نت: "كان عمري 3 سنوات حين اعتقلوه وحدثوني أن عددا كبيرا من الجيبات العسكرية حاصرت بيتنا في منطقة البركة واعتقلوه من مكان مجاور للمنزل وسجن في معتقل غزة المركزي وعاش فترة في السجون مع الشهيد عبد العزيز الرنتيسي" .

تفرّس إبراهيم ملامح أبيه من خلال دقائق الزيارة في سجن بئر السبع برفقة والدته وجدته وقد حرم منها من سنة 2006 حيث يبلغ من العمر الآن 23 سنة .

حين درج إبراهيم في بيت جده سأل عن أبيه أين هو ؟! فكان تأتيه الإجابة على لسان أمه أنه معتقل وحين تكررت زياراته إلى سجن السبع أدرك وجوده هناك خلف القضبان .

عن ذلك يتابع: "يكفي عشرين سنة من الاعتقال ! نفسي يكون جنبي في الأعياد والمناسبات وفي حجات كثير بأفقدها !" .

10 دقائق فقط

يتسلل الحزن على رؤوس أصابعه لكل من يستمع إلى إبراهيم وهو يشدد على رغبته قديمة أضحت لا تجدي نفعاً الآن في احتضان والده 10 دقائق بدل 3 في زيارة انتهت بينهما منذ 7 سنوات .

عن دقائق الزيارة يضيف: "كان دائماً يقول لي دير بالك على حالك وعلى البيت وأنا بصحة كويسة-يستطرد- أكرمني الله بالحجة فحجيت قبل سنتين- دائما يقول لي لا تحمل همّي".

عانى الأسير العماوي من آلام السجن فتنقل بين السبع ونفحة وريمون وقد اشتكى من عينيه ورفض الاحتلال علاجه أكثر من مرة .

منذ إبرام صفقة "وفاء الأحرار" عادت زوجة حلمي وأمه لزيارته كل شهرين وأحياناً يطول الفاصل بين الزيارتين فيما يمنع الاحتلال ابنه الوحيد إبراهيم من رؤيته.

بعفويه يعود إبراهيم ليقول "يكفي عشرين سنة من السجن !" فوالده يقبع الآن في سجن نفحة وقد ملّ متابعة أخبار الإفراج عن الأسرى".

مات جد إبراهيم العماوي قبل سبع سنوات وهو يحدثهم عن رغبته في رؤية ابنه حلمي وقد اتحدت رغبته مع اشتياق أكبر خلف القضبان من حلمي.

حلمي الصغير

لا ينسى إبراهيم تلك الغصّة التي ألجمته يوم زفافه ! , صحيح انه افتقده طوال المناسبات  السنوية والأعياد لكن يوم الزفاف كان نجم الألم بلا منازع .

عن ذلك يضيف: "لم يكن والدي عندي لما تزوجت ولم أشعر بالفرحة ! أنا اطلب من كل وزير من كل رئيس من الجامعة العربية أن يشعروا بقضيتنا نحتاج تحركا في قضيتهم".

دأبت والدة إبراهيم على تكرار ملامح شخصية حلمي ليحفظها ابنها بينما كان يوم الزيارة كما يصفه الابن بيوم عيد حقيقي.

ويتابع: "يوم رزقني الله حلمي سميته على اسم والدي وهو يسال دائماً وين سيدي ! وفرح كثيراً يوم جاء حفيده ووزع حلويات في السجن , لما أنادي على ابني الصغير أشعر أنني أنادي والدي !".

من خلف كل تلك التفاصيل وقفت زوجة حلمي العماوي أمًا وأبًا لإبراهيم وجدة لحلمي الصغير فرعت ابنها وزوجته وأشرفت على بناء البيت الجديد المتواضع .

تحرير الأسير

طريقة واحدة للإفراج عن الأسرى وإسعاد ذويهم يفهمها إبراهيم هي "خطف الجنود" من أجل إخراجهم من خلف القضبان .

كان يوم صعب جدًا يوم إبرام صفقة "وفاء الأحرار" فقد رأى إبراهيم اسم أبيه في كشف المفرج عنهم لكن آماله خابت حين ظل والده خلف القضبان.

يقول: "جهزنا أنفسنا لاستقباله .. لكنه لم يخرج .. كان الموقف صعب للغاية, أتابع كل أخبار الأسرى عبر الراديو وبرامج الأسرى وأشارك في اعتصام الاثنين الأسبوعي أمام الصليب الأحمر بغزة".

يوجه رسالة لوالده يقول فيها: "اصبر الصبر طيب وهو مفتاح الفرج , أطالب كل الفصائل بتحرير الأسرى عبر خطف الجنود فهو الحل الوحيد" .

انقطعت الرسائل بين حلمي وإبراهيم من وقت طويل حيث يحتفظ الابن برسائل والده من زمن بعيد ويكرر هذه الأيام قراءتها متجرّعاً الم الاشتياق .

قبيل دخول العماوي عشرين سنة في الأسر زار منزله إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني بغزة ووفد تركي وآخر مصري وأسرى محررون .

ويحلو لعائلة الأسير حلمي العماوي أن تكرر النداء على حلمي الصغير الذي يعدو في فناء البيت مرتدياً بزّة عسكرية .

 يتفاعل حلمي الصغير من مناداتهم فرحًا لكنه ما يلبث أن يلج في نوبة بكاء إذا بدلوا له البزّة العسكرية بأخرى من عندهم .

البث المباشر