الرسالة نت - وسام عفيفة
منذ فضيحة تقرير غولدستون التي كان بطلها محمود عباس وصولا إلى الفضيحة الأخيرة التي فجرها فهمي شبانة التميمي حول قضايا الفساد المالي والأخلاقي والأمني تبدو سفينة فتح - سلطة وحركة - مليئة بالثقوب والمياه تتسرب في كل أجزائها .
العديد من ملاحي الحركة يتأهبون للقفز منها عندما تبدأ بالغرق, فيما يخرج سلام فياض رجل الغرب في السلطة الرابح الأكبر من سلسلة الفضائح .
هل يمكن إنقاذ فتح؟
وكانت دراسة أصدرتها مجموعة الأزمات الدولية في 12 نوفمبر 2009 قد حذرت من انهيار الحركة التي تمثل الركيزة الأولى في النظام السياسي الفلسطيني مقابل الإسلاميين على حد وصف الدراسة التي نشرت تحت عنوان "إنقاذ فتح" .
الدراسة تساءلت .. ما الذي يدعو للاهتمام بمصير حركة فتح؟ حركة مضى على تأسيسها خمسين عاماً، وكانت ذات يوم القلب النابض للوطنية الفلسطينية، مضت أيام عزها؛ وضعفت قدرتها على التعبئة, ولما عصفت بها أزماتها الداخلية، خسرت الانتخابات الأخيرة وهي الانتخابات التنافسية الحقيقية الوحيدة في تاريخ السلطة الفلسطينية. وعدت الحركة بالنضال حتى التحرير، وتحقيق الاستقلال عن طريق المفاوضات، ووعدت بإدارة فعالة للحياة اليومية من خلال السلطة الفلسطينية، لكن أياً من هذه الوعود لم يتحقق.
مقابل الإخفاقات السياسية الكبرى التي أوردتها دراسة المؤسسة الدولية , لم تجرؤ فتح حتى اللحظة من مواجهة الحقيقة , أو محاولة سد الثقوب التي تملأ السفينة قبل الغرق.. تلك السفينة التي تغنى بها ابناؤها : "شراعنا العاصفة , وإحنا لها سفينة .. وإحنا اللي تهنا في البحر وعلى الفتح رسينا" ..لكنها اليوم تائهة.
إحباط في فتح
فضيحة تقرير غولدستون -الذي صادق عليه مجلس حقوق الإنسان في نوفمبر 2009- كشفت عن استعداد أعداد كبيرة من قيادات فتح للقفز من السفينة , فقد وجهوا انتقادات مباشرة لناحية التأكيد على الخطأ الكبير الذي ارتكبته الرئاسة والتبرؤ منها, الأمر الذي أثار غضب أبو مازن , ولوح بمحاسبة كل من انتقده.
ردة فعل الحركة على فضائح مكتب الرئاسة الأخيرة التي فجرها شبانة تراوحت بين نفيها بطريقة ساذجة بتحميلها لنظرية المؤامرة , أو مطالب خجولة بالمحاسبة تشير إلى حالة اليأس والإحباط السائدة في صفوف الحركة.
وفي هذا السياق أقرَّ قياديٌّ في حركة "فتح" وأحد أقطابها الإعلامية بأن الغالبية من كوادر الحركة والسلطة متورِّطةٌ في قضايا فساد؛ كتلك التي تورَّط فيها مدير مكتب الرئاسة رفيق الحسيني، وذلك في إطار محاولته التهوين من واقعة ما تمَّ الكشف عنه.
وقال حافظ البرغوثي عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" ورئيس تحرير جريدة "الحياة الجديدة" الناطقة بلسان سلطة "فتح" في الضفة: "الفرق بين أغلبنا وبين ضحية شريط القدس.. كاميرا فقط"، في إشارةٍ صريحةٍ إلى تورُّط غالبية قيادة السلطة في قضايا فساد أخلاقي، لكن لم يتم تسجيلها بالكاميرات بخلاف ما جرى مع الحسيني، الذي صوِّرت فضيحتُه من قِبَل جهاز المخابرات التابعة لحركة "فتح".
وأقرَّ البرغوثي بأن "أجهزة أمن السلطة" غير منشغلة بالهمِّ الوطني، وإنما تكرِّس وقتها من أجل قضايا الابتزاز الداخلي عبر تصيد الأخطاء. ولفت إلى أن هذه الأجهزة الأمنية سبق أن أنتجت وأعدت عشرات الأشرطة الساخنة لمسؤولين من حركة "فتح" والسلطة وقعت في أيدي حركة "حماس" بعد عملية الحسم العسكري عام 2007م.
الخاسرون والرابحون
أما فيما يتعلق بالآثار المترتبة على حالة الانهيار التي تواجهها فتح جراء فضائح الفساد , فإنها بالضرورة تؤدي إلى رفع أسهم فياض , على اعتبار انه البديل في التركيبة الجديدة التي أفرزتها التطورات الأخيرة على الساحة الفلسطينية منذ فوز حماس في الانتخابات التشريعية في 2006 مرورا بالانقسام حتى تشكيل سلطة الضفة على الطريقة الأمريكية.
وربما أفول نجم فتح يساهم أيضا في بروز تيارات أخرى مثل تيار "المستقلين " فيما سيتأثر اليسار الفلسطيني وتوابعها في منظمة التحرير سلبا , لأنها تحولت إلى هوامش لحركة فتح ,تستخدمها في إطار تمرير مشاريعها وقراراتها تحت مظلة المنظمة ,كما إن هذه الحركات تعيش على أموال المنظمة التي هي جزء من حالة الفساد المتراكمة.
فتح لا تتعلم
و تشير دراسة المجموعة الدولية للازمات أن فتح لم تسعى على الإطلاق إلى تجاوز أزماتها الداخلية .
وتضيف: فقد سمحت الحركة لمؤسساتها بالذبول والترهل وانسحاب أعضائها الملتزمين، بينما سعت نخبتها للاستفادة من مزايا وامتيازات المناصب الحكومية.
وسعت للهيمنة على السلطة الفلسطينية حتى وهي تتغنى بالتعددية, ولم تعمل الحركة على تحديث أجندتها أو تعديلها لتتلاءم مع محيطها المتغير.
وتشير الدراسة إلى ان الأسوأ من كل هذا، أن فتح فشلت في الاستجابة بالشكل المناسب إلى سلسلة طويلة من الانتكاسات المتعاقبة أو حتى التعلّم منها: فكانت الانتفاضة الثانية ومن ثم الدمار الذي لحق بالسلطة الفلسطينية؛ وانتصارات حماس الانتخابية التي دشنتها الانتخابات البلدية في عامي 2004 و 2005 وتوّجتها بالانتخابات البرلمانية عام 2006؛ ومن ثم استيلاء الإسلاميين على غزة عام 2007؛ وأخيرا إفلاس العملية السلمية.
ويبدو واضحا من نموذج فضيحتي غولدستون و الحسيني ان أبو مازن المسئول الأول والأخير عن حالة الانفلات التنظيمي والسلطوي , وانه ما عاد يخشى الانتقادات كما في السابق خصوصا, بعد المؤتمر العام لفتح، الذي عقد في آب/أغسطس في بيت لحم, وظهر عباس بشرعية جديدة، حيث خرج أخيراً من ظل سلفه الراحل ياسر عرفات.
وفي هذه السياق يشير تقرير مجموعة الأزمات الدولية إلى انه كان هناك ثغرات كبيرة في المؤتمر السادس , فلم يتتخب شريحة كبيرة من أعضاء المؤتمر ، بل تم تعيينهم.
كما أن السيطرة المفرطة على المؤتمر وسط اتهامات واسعة بتزوير الانتخابات ترك شعوراً لدى البعض بأنه تم استغلالهم حيث أسندت لهم أدوار صغيرة مجتزأة في مسرحية سياسية كان يتم إخراجها في مكان آخر.
رغم ذلك، فقد رأى كثيرون أنها كانت مرحلة هامة في سبيل إعادة إحياء التنظيم الداخلي للحركة وحضورها على الأرض.
لكن ذلك لم يحدث وتفرغت الحركة لتصفية حسابات داخلية وإدارة الحرب ضد حركة حماس.
مجموعة الأزمات الدولية أنهت تقريرها بالتحذير من أن المستقبل لن يكون أكثر رحمة بالنسبة لفتح، إذ يبدو أن المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية تراوح مكانها، والدبلوماسية الأميركية تحت رحمة الأحداث بدلاً من أن تتحكم بها؛ والحوار الفلسطيني- الفلسطيني في طريق مسدود، و رئيس الوزراء المقتدر، المستقل والبارع سياسياً تزداد قوته على رأس السلطة الفلسطينية؛ مقابل هبوط سياسي وفضائح تحاصر عباس.